فالثقافة هي تلك الكتلة نفسها، بما تتضمنه من عادات متجانسة وعبقريات متقاربة، وتقاليد متكاملة وأذواق متناسبة. وعواطف متشابهة. وبعبارة جامعة: هي كل ما يعطي الحضارة سمتها الخاصة. ويحدد قطبيها: من عقلية ابن خلدون. وروحانية الغزالي. أو عقلية ديكارت. وروحانية جان دارك. هذا هو معنى الثقافة في التاريخ.
معنى الثقافة في التربية:
وإذا حاولنا أن نحدد الثقافة بمعناها التربوي، فيجب أن نوضح هدفها، وما تتطلبه من وسائل التطبيق.
فاما الهدف فإنه قد اتضح بما قدمنا في الفصل السابق من أن الثقافة ليست علما خاصا لطبقة من الشعب دون أخرى، بل هي دستور تتطلبه الحياة العامة، بجميع ما فيها من ضروب التفكير والتنوع الاجتماعي.
وعلى الاخص، إذا كانت الثقافة هي الجسر الذي يعبره المجتمع إلى الرقي والتمدن، فإنها أيضا ذلك الحاجز الذي يحفظ بعض أفراده من السقوط من فوق الجسر إلى الهاوية.
وعلى هدي هذه القاعدة تشتمل الثقافة في معناها العام على إطار حياة واحدة، يجمع بين راعي الغنم والعالم، بحيث توحد بينهما دواعٍ مشتركة، وهي تهتم في معناها الخاص بكل طبقة من طبقات المجتمع فيما يناسبها من وظيفة تقوم بها، وما لهذه الوظيفة من شروط خاصة، وعلى ذلك فإن الثقافة تتدخل في شؤون الفرد، وفي بناء المجتمع، وتعالج مشكلة القيادة فيه، كما تعالج مشكلة الجماهير ...
وإِذا ما أردنا إيضاحا أوسع لوظيفة الثقافة فلنمثل لها بوظيفة الدم، فهو يتركب من الكريات الحمراء والبيضاء، وكلاهما يسبح في سائل واحد من "البلازما"، ليغذي الجسد: فالثقافة هي ذلك الدم في جسم المجتمع، يغذي