لا يقوم الأشياء بمعانيها ولا يفهم الكلمات بمراميها، وإنما بحسب حروفها، فهي تتساوى عنده إذا ما تساوت حروفها، وكلمة "لا" تساوي عنده "نعم" لو احتمل أن حروف الكلمتين متساوية.
وكلام هذا المتعالم ليس "كتهتهة" الصبي فيها "صبيانية" وبراءة، فهو ليس متدرجا في طريق التعلم كالصبي، وإنما "تهتهة" يتمثل فيها شيخوخة وداء عضال، فهو الصبي المزمن.
فلا بد من إزالة هذا المريض، ليصفو الجو للطالب العاقل الجاد، وعليه فإن مشكلة الثقافة لا تخص طبقة دون أخرى، بل تخص مجتمعنا كله، بما فيه المتعلم، والصبي الذي لما يبلغ مرحلة التعلم، إنها تشمل المجتمع كله. من أعلاه إلى أسفله، إن بقي هناك علو في مجتمع فقد حاسة العلو، فأصبحت هذه الحاسة عنده أفقية، زاحفة، راقدة.
إنه لمن أوليات واجبنا أن تعود الثقافة عندنا إلى مستواها الحقيقي ولذلك يجب أن نحددها كعامل تاريخي لكي نفهمها، ثم كنظام تربوي تطبيقي لنشرها بين طبقات المجتمع.
معنى الثقافة في االتاريخ:
لا يمكن لنا أن نتصور تاريخا بلا ثقافة، فالشعب الذي فقد ثقافته قد فقد حتما تاريخه.
والثقافة- بما تتضمنه من فكرة دينية نظمت الملحمة الإنسانية في جميع أدوارها من لدن آدم- لا يسوغ أن تعتبر علما يتعلمه الإنسان، بل هي محيط يحيط به، وإطار يتحرك داخله، يغذي الحضارة في احشائه، فهي الوسط الذي تتكون فيه جميع خصائص المجتمع المتحضر، وتتشكل فيه كل جزئية من جزئياته، تبعا للغاية العليا التي رسمها المجتمع لنفسه، بما في ذلك الحداد، والفنان، والراعي، والعالم، والإمام، وهكذا يتركب التاريخ.