ولا شك أن للجمال أهمية اجتماعية هامة، إذا ما اعتبرناه المنبع الذي تنبع منه الأفكار، وتصدر عنه بواسطة تلك الأفكار أعمال الفرد في المجتمع.
والواقع أن أزهد الأعمال- في نظرنا- له صلة كبرى بالجمال، فالشيء الواحد قد يختلف تأثيره في المجتمع باختلاف صورته التي تنطق بالجمال، أو تنضح بالقبح، ونحن نرى أثر تلك الصورة في تفكير الإنسان، وفي عمله، وفي السياسة التي يرسمها لنفسه، بل حتى في الحقيبة التي يحمل فيها ملابس سفره.
ولعل من الواضح لكل إنسان أننا أصبحنا اليوم نفقد ذوق الجمال، ولو أنه كان موجودا في ثقاقننا، إذن لسخرناه لحل مشكلات جزئية، تكون في مجموعها جانبا من حياة الإنسان.
ويكفينا للتدليل على ذلك ما نراه مثلاً من شأن ذلك الطفل الذي يلبس الأسمال البالية، والثياب القذرة، التي إن شئنا وصفها لقلنا إنها ثياب حيكت من قاذورات وجراثيم، مثل هذا الطفل الذي يعيش جسمه وسط هذه القاذرات والمرقعات غير المتناسبة، يحمل في المجتمع صورة القبح والتعاسة معا، بينما هو جزء من ملايين السواعد والعقول التي تحرك التاريخ، ولكنه لا يحرك شيئاً، لأن نفسه قد دفنت في أوساخه، ولن تكفينا عشرات من الخطب السياسية لتغيير ما به من القبح، وما يسوده من الضعة النفسية، والبؤس الشنيع.
فإن هذا الطفل لا يعبر عن فقرنا المسلم به، بل عن تفريطنا في حياتنا.
ولنستخدم أبسط معنى للجمال، ولننظر من قريب إلى أسمال هذا الطفل، في- على كونها أسمالا- تحمل معنى القبح، وتحمل أكثر من ذلك جراثيم تقتله مادياً وأدبياً، فليست هذه الاسمال جراباً للوسخ فقط، ولكنها سجن لنفس الطفل أيضا.
لقد أراد الطفل من الوجهة الخلقية، ستر عورته، ولكن مرقعاته قتلت كرامته، لأن العدالة الشكلية تذهب أحيانا إلى أن "الجبة" تصنع الشيخ، كما أن القبعة تصنع القسيس.