وليس من شك في أن مصطفى كمال حينما فرض القبعة لباسا وطنيا للشعب، إنما أراد بذلك تغيير نفس، لا تغيير ملبس، إِذ أن الملبس يحكم تصرفات الإنسان إلى حد بعيد.
فإذا ما لاحظنا أن مرقعات طفلنا قد أصبحت بما تحمل من أوساخ لا تقيه من البرد، أو الحر، وجدنا أيضاً أنها لا تستدر في الإنسان عطفا، بل تبعث فيه اشمئزازا، وذلك بتأثير الصورة الشنيعة، والرائحة الكريهة، والألوان المتنافرة.
وإن دستور الجمال في النفس الإنسانية ليعبر عن هذه المأساة كلها بكلمة واحدة: إنه لمنظر قبيح!! إلا أنه لا يقف عند هذا الحد، بل يوحي بالحل والمعالجة الممكنة. ومن المؤكد أننا سوف لا نأتي له بثوب آخر فنحن نريد أن نخلِّصه من قبحه في سرعة ويسر، وإِذن فنحن نأخذ بيد هذا الطفل إلى الماء فننزع عنه مرقعاته، ونأمره بأن يقوم بغسل واحدة منها ذات لون أقرب إلى الذوق، قطعة تكفي لستر عورته يغسلها، ثم يرتديها، بعد أن يغتسل هو أيضا مما به من وسخ، ثم نأخذه إلى حلاق يحلق رأسه، ونتركه بعد ذلك يسير في حاله، بعد أن نعلمه كيف يقصد في مشيه، وكيف لا يطأطىء رأسه، فبهذا لا يظل كومة متحركة من الأوساخ، بل يصبح طفلاً فقيرا يسعى لقوته، نجد فيه صورة للفقر والكرامة، لا للقبح والمهانة.
ولا يظننَّ ظان أننا بضربنا هذا المثل نرى أن ذوق الجمال يسعى لحل مشكلات المساكين فحسب، بل أردنا التدليل على تأثيره في المجتمع، باختيار نموذج من صميم أوضاعنا الاجتماعية. أما تأثيره فعام يمس كل دقيقة من دقائق الحياة، كذوقنا في الموسيقى، وفي الملابس، والعادات، وأساليب الضحك، والعطاس، وطريقة تنظيم بيوتنا، وتمشيط أولادنا، ومسح أحذيتنا، وتنظيف أرجلنا.
ولقد صدرت أخيرا بعض الأوامر في مدينة موسكو- نقلتها إلينا الصحافة