للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التشريعات ما هو ملزم يخضع لحكم القضاء، ومنها ما هو ملزم ولكن لا يخضع لحكم القضاء، فمن الأولى وجوب النفقة لمستحقيها على القادر عليها من أفراد الأسرة، فنفقة الزوجة على زوجها، ونفقة الصغار على أبيهم، نفقة الأب الفقير على أولاده القادرين على الإنفاق، وهكذا القول في بقية نفقات أفراد الأسرة، تخضع لسلطان القضاء، ويجري فيها الحكم والإلزام إذا ما توافرت شروطها، ومن أمثلة ما هو ملزم ولكن لا يخضع لسلطان القضاء حسن المعاملة بين أفراد الأسرة، فهو واجب ولكن لا يخضع لإلزام القاضي، وإنما يترك لديانة وتقوى عضو الأسرة.

ويقابل واجب الإنفاق بين أعضاء الأسرة حق الميراث لهم؛ لأن الغرم بالغنم، ومن أسباب الميراث: الزوجية والقرابة، وقد حدَّد الإسلام أنصبة الورثة، وأقام هذا التحديد على أساس العدل الدقيق الذي قد لا يتفطَّن إليه بعض الناس، مثل: جعل حصة الابن ضعف حصة البنت، قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} ؛ لأنَّ الأنثى مكفية المئونة، فهي إن لم يكن لها مال فنفقتها قَبْل الزواج على أبيها إلى أن تتزوج، ولا تكلف بالاكتساب، وإذا تزوَّجت فنفقتها على زوجها، وهي لا تدفع مهرًا في الزواج، ولا تلزم بالإنفاق على أولادها، أمَّا الذكر فإنه إذا بلغ وقدر على الاكتساب فنفقته على نفسه، وإذا تزوَّج فهو يدفع المهر ويتحمّل نفقة زوجته وأولاده الصغار، فالتكاليف المالية على الرجل أكثر بكثير من تكاليف المرأة، فمن العدل إذن أن يأخذ أكثر منها في الميراث.

والميراث يقوم على أساس من الفطرة ورغبة الإنسان، فإن كل شخص لا يكتسب المال لسدِّ حاجة نفسه فقط، بل لكفاية غيره أيضًا من أفراد أسرته؛ كأولاده مثلًا، فإيصال ثمرة أتعابه بعد موته إلى هؤلاء يدفعه إلى المزيد من السعي؛ لأنه يتفق ورغبته وإرادته، وفي الميراث فوائد وحِكَم، منها: توفير شيء للورثة يستعينون به في حياتهم، ويستغنون به عن سؤال الناس، كما أن في الميراث تفيتيًا للثروة وتوزيعها في عدد كبير من الأفراد، وبهذا تتداول الأمول ولا تتكدَّس بأيدي قليلة.

ومن صور التضامن داخل الأسرة الولاية على النفس والولاية على المال، فأما الولاية على النفس فيدخل فيها حضانة الصغير عند أمه إلى سنٍّ معينة كما ذكرنا من قبل، ثم ضمّه إلى من له الولاية على النفس كالأب والجد، فيتمّ تربيته وحفظه

<<  <   >  >>