أهل الحل والعقد، ومع هذا فإنَّ خلوَّ السوابق التاريخية مما ذكرنا لا يدل على أنَّ من كانوا يسمُّون أهل العقد والحل ما كانوا يمثلون الأمة ولا يعتبرون وكلاء عنها؛ لأنَّ الوكالة -كما هو معروف- تنعقد صراحة أو ضمنًا، وقد كانت وكالة أهل العقد والحل عن الأمة في عصر الإسلام الأول -عصر الخلفاء الراشدين- وكالة ضمنية؛ لأنهم كانوا معروفين بتقواهم وسابقتهم في الإسلام ودرايتهم بالأمور وإخلاصهم في العمل، مع فضل الصحبة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم، ومدح الله لهم في قرآنه، وثناء رسوله العام والخاص إليهم، ومن ثَمَّ فقد كانوا حائزين على رضى الأمة وثقتها، فما كانت هناك حاجة لقيام الأمة بانتخابهم وتوكيلهم عنها صراحة، وحتى لو قامت بهذا الانتخاب لما فاز فيه إلّا أولئك الأخيار الذين عُرِفوا بأهل العقد والحل، ولما نازعهم أحد في هذه المنزلة، ومن ثَمَّ كان انتخابهم يعتبر انتخابًا من الأمة نفسها؛ لأنه تَمَّ بتوكيل ضمنيّ منها لهم للقيام بهذا الانتخاب.
معرفة أهل العقد والحل في الوقت الحاضر:
٣٤٢- وإذا أخذنا في الوقت الحاضر بالانتخاب غير المباشر لرئيس الدولة وفقًا للأحكام الشرعية، فلا مناص من قيام الأمة بانتخاب من يمثلونها وينوبون عنها في مباشرة هذا الانتخاب، ومن تنتخبهم الأمة لهذه المهمة يمكن أن يوصفوا بأنهم أهل العقد والحل؛ لمتابعة الأمة لهم ورضاها بنيابتهم، وعلى الدولة أن تضع النظام اللازم لإجراء هذا الانتخاب، وضمان سلامته من التزييف والتضليل، وأنْ تُعَيِّن في هذا النظام الشروط الواجب توافرها فيمن تنتخبهم الأمة لتكوين جماعة أهل العقد والحل، في ضوء ما ذكره الفقهاء من شروط فيهم. إنَّ مثل هذا الانتخاب على النحو الذي ذكرناه ضروري على ما نرى؛ لإيجاد أو معرفة أهل العقد والحل؛ ولاثبات نيابتهم عن الأمة بالتوكيل الصريح؛ لأنَّ التوكيل الضمني يتعذَّر حصوله في الوقت الحاضر لكثرة أفراد الأمة؛ ولأن إجازة مثل هذا التوكيل الضمني يفتح بابًا خطيرًا على الأمَّة، ويؤذن بفوضى وشرِّ مستطير؛ إذ يستطيع كل عاطل عن شروط أهل الحد والعقد أن يدَّعي لنفسه هذه المنزلة، وينصب نفسه ممثِّلًا عن الأمة ونائبًا عنها، بحجة أنها ترضى نيابته ضمنًا.