للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولاية العهد:

٣٤٣- قلنا: إنَّ الأمة هي التي تختار الخليفة عن طريق أهل الحل والعقد، وقد يعترض علينا بولاية العهد التي أقرها الفقهاء كطريق لتولي منصب الخلافة، فالماوردي وأبو يعلى الحنبلي يقولان: "والإمامة تنعقد من وجهين: أحدهما باختيار أهل العقد والحل، الثاني بعهد الإمام من قبله"١.

والجواب على هذا الاعتراض أنَّ اختيار الخليفة عن طريق عهد الإمام السابق قد وقع فعلًا في عصر الخلفاء الراشدين، فقد عهد أبو بكر إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما، وعَهِد عمر إلى ستة يختارون من بينهم واحدًا للخلافة، وعلى هاتين السابقتين اعتمد الفقهاء في تجويزهم ولاية العهد، واعتبروا جواز هذا المسلك ثابتًا بالإجماع.

ولكن ما هو التكييف القانوني الشرعي لولاية العهد؟ وهل يصير المعهود إليه بالخلافة خليفة بهذا العهد فقط؟ وما الذي يسبق العهد؟ إنَّ الجواب على هذه الأسئلة ضرورية حتى يتبيِّن لنا مدى موافقة أو مناقضة ولاية العهد لحق الأمة في اختيار الخليفة، وهذا الجواب يظهر مما يأتي:

أولًا: جاء في كتاب الأحكام السلطانية للفقيه أبي يعلى الحنبلي ما يأتي:

أ- يجوز للإمام أن يعهد إلى إمام بعده ... ؛ ولأنَّ عهده إلى غيره ليس بعقد للإمامة"٢.

ب- لأنَّ الإمامة لا تنقعد للمعهود إليه بنفس العهد، وإنما تنعقد بعهد المسملين ... إنَّ إمامة المعهود إليه تنعقد بعد موته باختيار أهل الوقت"٣.

فهذه الأقوال صريحة في دلالتها على أنَّ الإمامة لا تنعقد ولا تثبت بمجرَّد العهد، وإنما تثبت باختيار أهل الحل والعقد، ومعنى ذلك أنَّ التكييف القانوني للعهد أنَّه ترشيح للخلافة، وليس تعيينًا نهائيًّا لمن يتولاه، أمَّا قولهم: الإمامة تنعقد بالعهد، والانعقاد غير الترشيح، فجوابنا أنَّ استعمالهم كلمة "تنعقد" محمولة على الترشيح


١ الماوردي ص٤، وأبو يعلى ص٧.
٢ أبو يعلى ص٩.
٣ أبو يعلى ص٩.

<<  <   >  >>