للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لتتفق أقوالهم التي ذكرناها مع هذ الاستعمال، أو أنَّ هذا الاستعمال محمول على ما يئول إليه العهد، وهو انعقاد الإمامة للمرشَّح بناءً على رضى أهل الحل والعقد المتوقع نظرًا لمشاورتهم بأمر العهد كما هو الغالب.

ثانيًا: في سابقة عند أبي بكر إلى عمر، شاور أبو بكر أهل الحل والعقد في رغبته في العهد إلى عمر، فاظهروا رضاهم وموافقتهم، وهذا ثابت في التاريخ، وعلى هذا يكون عهد أبي بكر إلى عمر كأنَّه عهدٌ من أهل الحل والعقد بالإمامة إلى عمر بعد وفاة الخليفة، وعلى هذا التوجيه يمكن اعتبار عهد أبي بكر كاشفًا لإرادة أهل الحلّ والعقد، وكذلك في عهد عمر بن الخطاب إلى الستة لاختيار خليفة منهم، فقد آل أمر الاختيار إلى عبد الرحمن بن عوف، فقام باستشارة كبارة الصحابة وأهل الحل والعقد ثلاثة أيام بلياليهم، فرآهم يرضون بعثمان ابن عفان، فأعلن عند ذاك اختياره له، ومبايعته له، فبايعه المسلمون، فيكون اختيار عبد الرحمن بن عوف لعثمان كاشفًا عن اختيار أهل الحل والعقد، ولذلك بايعوه، ومع هذا فنحن نعتبر كلًّا من عهد أبي بكر إلى عمر، وعهد عمر إلى الستة ترشيحًا للخلافة، وإن سبقه تشاور مع أهل الحل والعقد وموافقتهم على المرشَّح؛ لأن موافقتهم هذه لا يترتَّب عليها تولي الخلافة فعلًا من قِبَل المرشح إلّا بعد وفاة الخليفة المعاهد، وإعلان الموافقة الصريحة منهم ببيعتهم للمرشح، فما لم يعلن أهل الحل والعقد اختيارهم الصريح وبيعتهم الصريحة منهم ببيعتهم للمرشح، لا يصير المعهود إليه -المرشح- خليفة، وقد نبَّه إلى هذا المعنى الفقيه المشهور ابن تيمية -رحمه الله تعالى- فقال -وهو يتكلم عن الإمامة ويرد على أقوال من قال أنَّ الأمامة تنعقد ببيعة أربعة أو اثنين أو واحد: "فليست هذه أقوال أئمة السنة، بل الإمامة عندهم تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها، ولا يصير الرجل إمامًا حتى يوافقه أهل الشرك الذي يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة، فإنَّ المقصود من الإمامة إنما يحصل بالقدرة والسلطان، فإذا بويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان صار إمامًا، وكذلك عمر لما عهد إليه أبو بكر إنَّما صار إمامًا لمَّا بايعوه وأطاعوه، ولو قدر أنهم لم ينفِّذوا عهد أبي بكر ولم يبايعوه لم يصر إمامًا، سواء كان ذلك جائزًا، أو غير جائز، فمن قال: إنه يصير إمامًا بموافقة واحد أو اثنين أو أربعة، وليسوا هم ذوي القدرة والشوكة فقد غلط، كما أنَّ من ظنَّ أن تخلف الواحد أو الاثنين أو العشرة يضر، فقد غلط.

<<  <   >  >>