٤١٦- أمَّا قيامه على أساسٍ من الفطرة، فقد بيِّنَّا فيما سبق أن من الفطرة في الإنسان اهتمامه بذريته، وقلقه عليهم إذا أحسذض بتركهم بلا مال، ورغبته في أن يوفِّر لهم ما يستعينون به في حياته وبعد موته.
وأما قيامه على أساسٍ من العدل، فإنَّ الإنسان في حياته يعيل أولاده وبقية من هو مكلَّف بإعالتهم، كأمه وأبيه وزوجته، وقد يلزم بهذا الإنفاق إلزامًا عن طريق القضاء إذا امتنع عنه، والغالب عدم امتناعه، فمن العدل أن تكون أمواله بعد موته لأولئك الذين كان هو السبب في وجودهم، كأولاده، أو كانوا هم السبب في وجوده مثل أبويه؛ ليستعينوا بهذه الأموال بالإنفاق منها على أنفسهم، كما كان هو في حياته ينفق منها عليهم.
٤١٧- وأمَّا قيام الميراث على أساس احترام إرادة المالك، فإن الإنسان يرغب رغبة أكيدة أن تكون أمواله بعد موته لأقربائه لا لغيرهم، فيجب احترام إرادته هذه، ودفع أمواله إلى ورثته بعد موته، وقد فصَّل الشرع الإسلامي هذا، فبيِّنَ حصص هؤلاء الأقرباء من الميراث على نحوٍ دقيق عادل، ولا شكَّ أنَّ المسلم يسُرُّه ويرضيه أن تصير أمواله إلى ورثته من بعده وفقًا لهذا التقسيم الشرعي العادل.
٤١٨- وأمَّا أنَّ مبدأ الإرث يدفع إلى المزيد من بذل النشاط والجهد فأمر واضح؛ لأنَّ الإنسان لا يعمل لنفسه فقط، وإنما لمن يهمه شأنهم من أفراد أسرته أيضًا، فهو يجهد نفسه ليسد حاجاتهم مع حاجات نفسه، وكما أنه يعمل لتوفير حاجاتهم الحاضرة فكذلك يبذل جهدًا آخر لتوفير ما يسد حاجاتهم في المستقبل، فإن بقي في قيد الحياة تولَّى الإنفاق بنفسه عليهم، وإن مات تولَّوا هم بأنفسهم الإنفاق من أمواله التي تركها لهم، وعلى هذا فإذا منع التوارث فإنَّ الإنسان تضعف همته في العمل، ويقلل نشاطه الاقتصادي؛ لأنه يعلم بأنَّ ثمرة جهوده لا ترجع إلى أفراد أسرته الذين يهتم بأمرهم.
ولا شك أن المجتمع سيخسر كثيرًا من فتور الناس عن العمل، ومن ضعف دوافعهم على بذل كل ما يستطيعون من جهد ونشاط اقتصادي.
ومبدأ الميراث يحقق ضمانًا اجتماعيًّا داخل الأسرة؛ لما يوفِّره من أموال تعود إلى الأحياء منهم إذا مات أحدهم وترك مالًا، فلا يضيع الصغير واليتيم والأرملة، ولا