للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تنتهي ألى موت أبيك فأوطئهم الخيل، وقد وليتك هذا الجيش ... فلمَّا كان يوم الأربعاء ابتداء مرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصدع وحُمَّ، وعقد يوم الخميس لأسامة لواءً بيده، وقال: "يا أسامة، اغز باسم الله في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغدروا، ولا تقتلوا وليدًا ولا امرأة، ولا تتمنَّوا لقاء العدو، فإنَّكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم، ولكنكم قولوا: اللهم اكفناهم واكفف بأسهم عنَّا، فإنَّ لقوكم قد أجلبوا وضجوا فعليكمم بالسكينة والصمت، ولا تنازعوا فتفشلوا فتذهب ريحكم، وقولوا: اللهمَّ إنا عبادك، نواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما تغلبهم أنت، واعلموا أنَّ الجنة تحت البارقة" ١ ثم يذكر صاحب "إمتاع الأسماع" أنَّ بعض الناس تكلَّموا عن تأمير أسامة على الجيش باعتباره شابًّا لا خبرة له، وأنَّ هذا الجيش يضمّ المهاجرين والأنصار، وأن عمر بن الخطاب ردَّ على هذا الكلام على من تكلَّم به، وأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذا الذي قاله البعض، وأنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غضب لذلك غضبًا شديدًا، وأنه -عليه الصلاة والسلام- خرج وقد عصب على رأسه عصابة، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد، أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة؟ والله لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله، وإنَّه لخليق للإمارة، وإن كان أبوه لخليقًا لها" ٢، وقد ذكرت معظم ما ورد في قصة تأمير أسامة لما في هذا من دلالات وعِبَر وعظات وأحكام، وأخيرًا فإنَّ الداعي الفقيه يزداد تواضعًا لله تعالى كُلَّمَا وُفِّقَ في دعوته ونجح في مساعيه، ونصره الله على أعدائه. وهكذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فقد دخل مكة فاتحًا وهو منكِّس الرأس تواضعًا لربه، واعترافًا له بفضله.

خامسًا: المخالطة والعزلة

أيهما أفضل: المخالطة أم العزلة؟

٥٧٥- أيهما أفضل للمسلم: المخالطة مع الناس أم العزلة عنهم؟ قال بعضهم: العزلة أفضل، وقال أكثرهم: المخالطة أفضل، والصواب أن يقال: الأفضل للمسلم أحبهما إلى الله تعالى، فإذا كانت المخالطة أحب إلى الله بالنسبة لهذا المسلم نظرًا


١ إمتاع الأسماع، ص٥٣٦، ٥٣٧.
٢ سيرة ابن هشام ص٢٥٧، ٢٥٨، وإمتاع الأسماع، ص ٥٣٧.

<<  <   >  >>