لظروف حاله ومكانه وزمانه، فهي أفضل في حقه، وإذا كانت العزلة بالنسبة إليه أحب إلى الله؛ لظروف حاله وزمانه، فالعزلة أفضل في حقه.
المخالطة لا بُدَّ منها:
٥٧٦- والمخالطة لا بُدَّ منها، فإنَّ الإنسان اجتماعيٌّ بطبعه، لا يستطيع العيش بمفرده، ولو استطاعه لكان أمرًا شاذًّا لا يستطيع جميع الناس متابعته عليه، هذا في أمور الدنيا وحوائجها، أمَّا بالنسبة لأمور الدين فكذلك الحال، فإنَّ من فرائض الإسلام ومستحباته ما لا يمكن تأديته إلّا بالمخالطة مع الناس وتعاونهم، مثل: صلاة الجمعة والعيدين وتشييع الجنائز وعيادة المرضى وتعلُّم أمور الدين وتعليمها، إلى غير ذلك من المطلوبات التي تسلتزم المخالطة.
المخالطة واجبة على الداعي:
٥٧٧- الدعوة إلى الله من وجائب الإسلام، ومن وسائلها مخالطة الناس، فتكون المخالطة واجبة؛ لأنَّ ما لا يؤدَّى الواجب إلّا به فهو واجب، والواقع أنَّ طبيعة الإسلام تقتضي المخالطة، فالإسلام ليس معنًى خاصًّا بالفرد، بل هو أيضًا عمل المسلم خارج نفسه، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ أكرمه الله بالنبوة وأمره بالتبليغ، عاش مع الناس وخالطهم وغشي مجالسهم يدعوهم إلى الله، ويحذرهم مما هم فيه، وكذلك فعل أصحابه الكرام؛ خالطوا الناس وبثّوا فيهم ما تعلموه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الهدى والعلم والدين، وما روي عن بعض التابعين من استحباب العزلة وكراهية المخالطة فهو أمر يتعلّق بأحوال طارئة وظروف استثنائية، فليس ما ذكروه هو القاعدة التي يستهدي بها المسلمون من بعدهم؛ لأن وجوب الدعوة إلى الله أمر ثابت في الشرع، والمخالطة هي المقدِّمة إلى الدعوة، فلا يمكن التخلي عنها، بل إنَّ هذا الواجب أصبح أشد في زماننا من أيِّ زمان مضى؛ لما غشي البشر من غاشية رهيبة قاسية من المدنية الصمَّاء السوداء، التي حجبت عنهم أنوار الحق، وقطعت صلاتهم بالله -عز وجل، مما جعل لزامًا على كل مسلم أن يسهم في الدعوة إلى الله بقدر طاقته، وبأيِّ نوع من أنواع القدرة يستيطعه، وهذا يستلزم مخالطة الناس ليدعوهم إلى الله.