٥٧٨- والمخالطة الواجبة هي ما كانت ضروريَّة لأعمال الدعوة إلى الله تعالى، أو أداء فروض الإسلام الأخرى، فإذا خلت من هذا المقصود زالت عنها صفة الوجوب وصارت مباحة أو مكروهة أو حرامًا، فالمباحة كالمخالطة لغرض تحصيل مباح دنيوي، والمكروهة إذا فوَّتت على الداعي فائدة أخروية إذا حملته إثمًا، وعلى هذا فإنَّ المأمول من الداعي أن تكون مخالطته كلها بدافعٍ من الدعوة إلى الله، فإذا زار شخصًا أو تعارف معه أو صادقه أو رافقه أو آخاه، أو غشي مجلسًا، أو تكلم في جمع، فإنه يصدر عن رغبة في الدعوة إلى الله، أو بالإعداد والتهيئة لها.
الحب في الله والبغض في الله:
٥٧٩- والداعي في مخالطته يقيم علاقاته معهم على أساس الحب في الله والبغض في الله، والمقصود بهذه العبارة أنَّ المسلم لا يحب الشخص إلّا لطاعته لربه، ومسارعته إلى مرضاته، ولا يبغضه إلّا لعصيانه ومخالفته أمر ربه، وكلما اشتدت محبَّة المسلم لربِّه اشتدت محبته لأحباب الله، حتى تصير موالاة ونصرة وذَبًّا عنهم بالنفس والمال، وليس هذا الذي نقوله خيالًا أو مبالغة، فإنَّ مَنْ أحبَّ إنسانًا أحبَّ من يحبه محبوبه، ومن يحب محبوبه يقوم بخدمته ويثني عليه، فإذا كان هذا معروفًا بين الناس فالشأن أعظم في مسالة محبَّة المسلم لربه، وآثارها في محبة أحباب الله وأوليائه، وإذا اجتمع في الشخص طاعات وسيئات أحبه المسلم لطاعته وأبغضه لسيئاته.
المختارون لصحبة الداعي:
٥٨٠- وما دام الداعي يحب في الله ويبغض في الله، فمن البدهي أنه يختار لصحبته ورفقته وأخوته، المطيعين لله القائمين بحق العبودية لله، فهم نِعْمَ الرفيق له، ونعم الإخوة له، يشتدُّ ارتباطه بهم، ويعتزُّ بهم، ويحافظ على أخوتهم، ويرفض مصاحبة ومواددة العصاة والفُسَّاق المعرِضين عن أوامر ربهم، قال تعالى:{فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} ، وهو إذ يرفض مصاحبة ومخالطة العصاة والفُسَّاق لا ينفَكّ عن دعوتهم إلى الله، والدعاء لهم بالهداية والرحمة والرشاد.