للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سلوك الداعي مع من يصاحب ومن لا يصاحب:

٥٨١- والداعي يعرف حقوق الصحبة، ويحمل نفسه على الوفاء بهذه الحقوق، ومنها: مواساته لأصحابه، وقضاء حوائجهم، وسكوته عن عيوبهم، فالأنسان لا يخلو من عيب، إلّا إذا وجب عليه النطق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتحمَّل إساءتهم في حق نفسه، ويقبل أعذارهم، فالمؤمن الكريم يحضر في نفسه محاسن أخيه، والمنافق اللئيم يحضر في نفسه معايب أخيه، قال عبد الله بن المبارك -رحمه الله تعالى:"المؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب العثرات".

٥٨٢- أمَّا سلوكه مع من لا يصاحبه ولا يرافقه لفسقه وعصيانه، فهو سلوك المؤمن، فلا يخاصمهم {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} ، ولكن ينصحهم ويعظهم، وقد يضطر إلى هجرهم ومقاطعتهم إذا كانت معصيتهم تقتضي الهجر والمقاطعة، كما لو كانوا يدعون إلى بدعة في الدِّين، أو يفرِّقون صفوف المسلمين، أو يكيدون لهم، أو يعملون لإلحاق الأذى بهم، أو يسعون لظلمهم والبغي عليهم، فإنَّه في هذه الحالة وبعد الأعذار لهم وإفراغ الجهد في نصحهم، إذا لم يكفوا عمَّا هم فيه يضطر إلى هجرهم ومقاطتعهم وعدم الكلام معهم، زجرًا لهم عن بغيهم وكيدهم وعدوانهم وبدعتهم، حتى يتحاشاهم الناس ويعرفوهم فيحذروهم، بل وللداعي أن لا يرُدَّ عليهم السلام إذا سلموا، إمعانًا في زجرهم، وأظهارًا لإنكار عملهم، ويعلّل الإمام الغزالي عدم رَدِّ السلام عليهم، مع أنَّ رده واجب بقوله: "ورد السلام وإن كان واجبًا فإنَّه يسقط بأدنى غرض فيه مصلحة، حتى يسقط بكون الإنسان في الحمَّام وقضاء حاجته، وغرض الزجر أهم من هذه الأغراض؛ لأنَّ فيه زجرًا وتنفيرًا عنه"١، وبهذا المعنى أيضًا قال شيخ الإسلام ابن تمية"٢.

عزلة الداعي:

٥٨٣- وإذا كانت المخالطة من مقدِّمات الدعوة إلى الله تعالى، وأنَّ الداعي لا يستغني عنها كما قلنا، فإنه مع ذلك يحتاج إلى شيء من العزلة والوحدة والانفراد بنفسه؛ لأنه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لا بُدَّ للعبد من أوقاتٍ ينفَرِد بها بنفسه في


١ إحياء علوم الدين للغزالي ج٢، ص١٤٩.
٢ مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج٨، ص٢١٦-٢١٨.

<<  <   >  >>