الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} ، ولا شكَّ أن المجتمع سيكون سعيدًا جدًّا إذا كثرت فيه النماذج البشرية التي صقلتها عبادات الإسلام، وسيكثر فيه الخير قطعًا، ويقل فيه الشر إن لم ينعدم، وفي ذلك كله تحقيق كبير لمصلحة الجماعة في كل زمان ومكان، ومن ثَمَّ فأحكام العبادات لا بُدَّ منها في أيِّ مجتمع إنساني، وبالنسبة لكل فرد في القرن العشرين، أو في أي قرن بعده.
٩٤- وأحكام الأخلاق كوجوب الصدق والوفاء، والالتزام بالكلمة، والتعاون على البِرِّ، وحمرة الكذب والغدر والخيانة والتعاون على الشر، والتحلل من المسئولية، واستغلال النفوذ، والظلم، ونحو ذلك. أقول: هذه الأحكام الأخلاقية بالوجوب والتحريم ضرورية لكل إنسانٍ ولكل مجتمع إنساني يريد الصلاح والسداد، إنَّه لا يغني عن الأخلاق أيّ تقدُّم في مجال الثقافة والعلوم، إنَّ الأزمة التي يمر بها العالم اليوم، والاضطراب في المجتمعات، وسوء العلاقات بين الأفراد، مردُّها إلى زعزعة القيم الإخلاقية في النفوس وتجاوزها، فهي أزمة أخلاقية في جوهرها وأساسها، والشريعة في تأكيدها على الأخلاق لم تكن مسرفة في هذا التأكيد، ولا مبالغة فيه؛ لأنها أكدت على ما هو ضروري لأقامة قواعد الإصلاح على أساسٍ متينٍ ابتداء من النفس. والأخلاق بعد هذا معانٍ ثابتة يحتاجها الإنسان السويّ، ولا يتصور أن يجيء يوم يقال فيه: إن الصدق والعدل والوفاء بالعهد وترك الظلم معانٍ فاسدة عتيقة لم تد صالحة لزماننا أو عصرنا، اللهمَّ إلّا إذا ارتدَّ الإنسان إلى جاهلية جهلاءٍ لم تصل اليها الجاهلية الأولى، وسيأتي مزيد من التفصيل للأخلاق فيما بعد.
٩٥- والأحكام التفصيلية الأخرى المتعلقة بالمعاملات -أي: بعلاقات الأفراد فيما بينهم- هي الأخرى صالحة للبقاء والعموم؛ لأنَّ تفصيلها بُنِيَ على أساس أنَّ الحاجة إليها تبقى قائمة دائمًا، وأنَّ غيرها لا يسد مسدَّها أبدًا، ولا يحقق مصلحة الناس على الوجه الذي تحققه.
٩٦- فمن هذه الأحكام: تنظيم الأسرة، وكيفية الزواج، وحق الحضانة، والولاية، والنسب، والميراث، والطلاق، والنفقة، ونحو ذلك من شئون الأسرة، وكل هذه الأحكام جاء على نحوٍ صالح وافٍ كافٍ لتحقيق الخير والصلاح للناس، ولا يمكن الاستعاضة عنها بأحسن منها، فالنكاح جاء تنظيمه غاية في البساطة وخاليًا من