إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} فالوفاء بالعهد من تقوى الله ومحبة الله، ومن الإيمان المسارعة إلى ما يحبه الله تعالى.
وفي الحديث:"لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له"، فالإيمان لا بُدَّ أن يورِّث الأخلاق الحسنة وعلى رأسها الأمانة وحفظ العهد، فمن فقد الأمانة وضيِّع العهد كان ذلك إيذانًا بخلُّوه من معاني الإيمان المطلوبة منه، وتفريطه بتقوى الله.
وفي حديث آخر:"والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: مَنْ يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه". فهذا الحديث الشريف يدل على أنَّ الأخلاق السيئة تنافي الإيمان وتناقضه، وأنَّه لا يجتمع الإيمان والخلق الرديء.
خامسًا: الجزاء
١٢٧- ومن خصائص نظام الأخلاق في الإسلام الجزاء؛ لأنَّ الإسلام جاء بالأخلاق أمرًا ونهيًا، وعصيان أوامر الشرع أو ارتكاب ما نهى عنه سبب للعقاب، قال تعالى:{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} ، كما أنَّ الالتزام بحدود الشرع وطاعته سبب للثواب الحسن.
والجزاء لمن يخالف حدود الشرع في الأخلاق قد يكون في الدنيا، فشاهد الزور وبذيء اللسان والخائن ونحوهم، يعاقبهم القاضي المسلم بالعقوبة التعزيرية والحنث في اليمين، أي: عدم الوفاء بالوعد الموثّق باسم الله يترتب عليه كفارة اليمين، وفي الكفارة معنى العقوبة كما يقول الفقهاء.
وقد يكون الجزاء في الدنيا هلاك الجماعة التي يشيع فيها الخلق الرديء، وقد أشار لهذ الجزاء الحديث الشريف:"إنما أهلك مَنْ كان قبلكم أنَّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الوضيع أقاموا عليه الحد...." ومثل شيوع الجبن في الأمة وترك الظَّلَمَة يعبثون في حقوق الناس دون إنكار عليهم خوفًا منهم وجبنًا وإيثارًا للذل والحياة المهينة، فإنَّ هذه الأخلاق الرذيلة سبب لهلاك الأمة أو إصابتها بشرٍّ كبير أو ضرر جسيم يصيب المذنب والبريء، قال تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}