للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هل يمكن اكتساب الأخلاق وتقويمها؟

١٢٨- والآن وقد بَيّنَّا مكانة الاخلاق في الإسلام ومدى تأثيرها في الأعمال، وما يترتب عليها من ثواب وعقاب، نسأل: هل يمكن تقويم الأخلاق واكتساب الجيد منها والتخلي عن قبيحها؟ أم أنَّ الأخلاق صفات لازمة تخلق في الإنسان وينطبع عليها، فلا يمكنه تغييرها ولا تبديلها ولا تعديلها، كما لا يمكنه تغيير صفاته الجسمية من طول وقصر ولون؟

الجواب على هذا السؤال كما يظهر لنا، يتلخَّص بما يأتي:

أولًا: إن الأخلاق من حيث الجملة يمكن تقويمها وتعديلها، كما يمكن اكتساب الجيد منها، والتخلي عن قبيحها، وبالعكس، ودلينا على ذلك أنَّ الشرع أمر بالتخلق بالأخلاق الحسنة، ونهى عن التخلق بالأخلاق الرديئة، فلو لم يكن ذلك ممكنًا مقدورًا للإنسان لما ورد به الشرع، الإسلام لا يأمر بالمستحيل، ومن القواعد الأصولية في الفقه الإسلامي: لا تكليف إلّا بمقدور أو لا تكليف بمستحيل، وعلى هذا فكل إنسان عنده أهلية وقدرة للتحلي بالإخلاق الجيدة والتخلي عن أضدادها، كما أنَّ عنده أهلية وقدرة على عكس ذلك، وقد يستأنس لهذا بقول الله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} .

ولكن مع هذا، فإنَّ الناس يتفاوتون في مقدار أهليتهم وقدرتهم واستعدادهم، ولكن مع هذا فإنَّ الناس يتفاوتون في مقدار أهليتهم وقدرتهم واستعدادتهم لاكتساب الأخلاق أو تعديلها، كما يختلفون في مدى أهليتهم وقدرتهم واستعدادهم لتلقِّي العلوم المختلفة، أو إدراك الحقائق الدقيقة نظرًا لاختلاف عقولهم ومدى ذكائهم.

ثانيًا: إنَّ بعض الناس قد يُجْبَل على بعض الأخلاق؛ بحيث تكون هذه الأخلاق بارزة فيهم وظاهرة في سلوكهم، ودليلنا على هذا حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه أبو داود، وقد جاء فيه أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لأشج عبد القيس: "إنَّ فيك خصلتين يحبهما الله تعالى ورسوله: الحلم والأناة". قال: يا رسول الله، أنا أتخلَّق بهما أم الله تعالى جبلني عليهما؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "بل الله جبلك عليهما"، فقال: الحمد

<<  <   >  >>