للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لله الذي جبلني على خصلتين يحبهما الله تعالى ورسوله١.

ولا شكَّ أنَّ الناس يتفاوتون فيما عليه من الأخلاق، كما يتفاوتون في ما يجلبون عليه من قوة الإدراك والذكاء، ويترتب على ذلك أنَّ من جُبِلَ على نوع معين من الأخلاق يسهل عليه ترسيخ هذا النوع في نفسه والبقاء عليه؛ لأنه يجد عونًا في ذلك بما جبل عليه.

كيف يتحقق تقويم الأخلاق أو اكتسابها:

١٢٩- إنَّ تقويم الأخلاق أو اكتسابها يمكن أن يتمَّ بشكل من الأشكال التالية:

أولًا: بتقليل آثارها وعدم المضي في تنفيذ مقتضاها وما تدعو إليه، وهذا بالنسبة للأخلاق التي تعتبر من الغرائز في كل إنسان، ومنه الغضب، يدل على ذلك ما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رجلًا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم: أوصني، فقال -صلى الله عليه وسلم: "لا تغضب"، فردد الرجل سؤاله مرارًا، فكان النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- يقوله له: "لا تغضب"، وقد قال العلماء في شرح الحديث: إنَّ النهي عن الغضب ينصرف إلى النهي عن العمل بمقتضى الغضب، أي: بلزوم دفع آثار الغضب، وليس النهي راجعًا إلى نفس الغضب؛ لأنه من طباع البشر فلا يمكن دفعه ولا استئصاله١، فالمطلوب في تقويم خلق الغضب ليس استئصاله بالكلية، فهذا غير ممكن، وإنما الممكن السيطرة عليه وكظمه وعدم تنفيذ مقتضاه، يؤيد ذلك ما جاء في القرآن الكريم {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} ، فمدحم على ضبط غضبهم والسيطرة عليه لا على استئصاله، وفي القرآن أيضًا {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} ، فمدحهم على عدم تنفيذ مقتضى غضبهم، وفي الحديث الشريف: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب".

ثانيًا: بالتشذيب والتهذيب وإزالة الكدورات عن أصل الخلق، وتوجيهه الوجهة المرضية في الشرع الإسلامي، مثل خلق الشجاعة، يستعمله صاحبه في الاعتداء وقتل الأبرياء، أو لطلب السمعة والجاه، وكالسخاء يستعله صاحبه للمباهاة وللرياء،


١ تيسير الوصول لابن الديبع الشيباني ج٤ ص٣٠٤.
٢ شرح الأربعين النووية للإمام النووي ص٤٩، وفتح المبين لشرح الأربعين للفقيه ابن حجر الهيثمي ص١٤٠.

<<  <   >  >>