للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحديث الأول: "عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)((ما حق)) يعني ليس من حقه أن يفرط في هذا الشأن، ولذا جاء في بعض الروايات: ((لا يحل لامرئ مسلم)) فدل على أن المراد بالحق المذكور الذي لا يجوز التفريط فيه، بدليل الرواية الأخرى ((ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه)) أما غير المسلم وقد فرط بأهم المهمات الذي هو الإسلام، لا يطالب بمثل هذا في الدنيا، أما في الآخرة فهو مخاطب بجميع الفروع كمخاطبته بالأصل؛ لأن القول المحقق عند أهل العلم والمرجح أن الكافر مخاطب بفروع الشريعة {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [(٤٢ - ٤٤) سورة المدثر] فذكروا فروعاً، الجمهور على أن الكافر مخاطب، لكن لا يخاطب بها في الدنيا قبل أن يسلم، ولا تصح منه لو فعلها قبل الإسلام، ولو أوصى بجميع ماله وهو غير مسلم في أعمال البر وفي رعاية اليتامى والمساكين ما نفعه ذلك؛ لأنه لم يأتِ بشرطها {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ} [(٥٤) سورة التوبة] فالكافر لا يقبل منه ما يؤديه على كفره، وقد ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- المطعم بن عدي وغيره من المشركين الذين كانت لهم أعمال، أعمال خيرية، يتعدى نفعها وإحسانها إلى الناس، لكن ذكر أنها لا تنفعه؛ لأنه لم يقل يوم من الأيام: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين، ما ينفعه، ولذا المخاطبة بمثل هذا على المرء المسلم، وأما الكافر وإن خوطب بها في الآخرة، وعذب بسببها زيادة على ما يعذب به من أجل الإيمان، إلا أنه لا يخاطب بفعلها، ولا يؤمر به، ولا يطالب به.

((ما حق امرئ مسلم)) وفي حكمه المرأة مسلمة؛ لأن النساء شقائق الرجال، لكن التعبير بمثل هذا لأن الغالب أن الأموال إنما تكون بيد الرجال وإلا لو وجدت امرأة مسلمة توجه إليها مثل هذا الخطاب؛ لأن النساء شقائق الرجال، والتكليف واحد.