"قلت: يا رسول الله إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة، وفي رواية: يوماً في المسجد الحرام، قال:((فأوفِ بنذرك)) " الجاهلية ما كان قبل الإسلام على المستوى العام، أو ما كان قبل إسلام الرجل بعينه على المستوى الخاص "إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة" يستدل بهذا من يرى عدم لزوم الصيام لصحة الاعتكاف؛ لأن الليل ليس محلاً للصيام، ومنهم من يشترط الصيام لصحة الاعتكاف، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يعتكف إلا صائماً، والليلة تطلق على اليوم بليلته كاملاً، فإذا قلت: الشهر ثلاثين ليلة معناه بأيامها، ولذا جاء في رواية: يوماً، فمن يقول: إن الاعتكاف لا يلزم معه الصيام يقول: إنه أعتكف ليلة، نذر أن يعتكف ليلة والليل ليس محلاً للصيام، ومن يوجب الصيام بل يشترطه لصحة الاعتكاف يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يعتكف إلا صائماً، والمراد بالليلة يجيب عن هذا الحديث بأن المراد بيومها الذي هو محل الصيام بدليل الرواية الأخرى، وعلى كل حال لو حصل اعتكاف ليلة من غروب الشمس إلى طوع الفجر من غير الصيام كما هو الأصل فصح الاعتكاف؛ لأن المراد بالاعتكاف في اللغة اللزوم والمكث، طول المكث، وهذا حصل منه طول مكث فهو اعتكاف، لكن هل هو اعتكاف لغوي أو شرعي؟ لغوي بلا إشكال، لكن جاء الحث على الاعتكاف والترغيب فيه، ولم يقرن بصيام إلا من فعله -عليه الصلاة والسلام-، ومجرد الفعل لا يدل على الاشتراط، ولذا يصحح جمع من أهل العلم الاعتكاف من غير صيام.
فالنذر مثل ما ذكرنا جاء النهي عنه وجاء الأمر بالوفاء به {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [(٧) سورة الإنسان] وجاء أيضاً: ((أوفِ بنذرك)) ((من نذر أن يطيع الله فليطعه)) كل هذا يدل على أن الوفاء بالنذر يعني بعد انعقاده من الأمور المطلوبة المرغوب فيها، وإن كان عقده من الأمور المرغوب عنها، نعم.
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن النذر، وقال:((إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل)).