"ثم جاء فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:((ارجع فصل، فإنك لم تصل)) " قد يقول قائل: صلى ركع وسجد وقرأ، صلى فما الصلاة المنفية؟ هل المنفي حقيقتها العرفية أو حقيقتها الشرعية؟ نعم هو صلى، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول:((ارجع فصل، فإنك لم تصل)) هذه حقيقة، الحقيقة العرفية موجودة، ركع وسجد وش يبي؟ صلى ودعا، لكن المنفي الحقيقة الشرعية للصلاة، يعني الصلاة المجزئة المسقطة للطلب، فكونه يصلي صلاة لا تنفعه، هذه صلاة لا وجود لها شرعاً، وإن وجدت حقيقتها عرفاً، يعني مثل ما ينفى السمع والبصر عمن له أذنان تسمعان الكلام، وبصر يبصر به المرئيات، هذا يمكن نفيه، إذا كان لا يستفيد من هذا السمع ولا من هذا البصر {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [(١٨) سورة البقرة] ليس معناه أنهم لا يشوفون ولا يسمعون ولا يتكلمون، يتكلمون ويسمعون ويبصرون، لكن لما لم تنفعهم هذه الحواس صار وجودها مثل عدمها، فحقيقتها الشرعية منتفية، ولذا جاء في الآية الأخرى:{وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا} [(١٧٩) سورة الأعراف] واختلاف الحقائق الشرعية مع العرفية لا بد لطالب العلم من الانتباه له بدقة، ولا بد من معرفة الاصطلاحات العامة والخاصة مع الحقائق اللغوية، يعني لو جاءك شخص وأقسم أنه لم ير في عمره كله جملاً أصفر، ما رأى جمل أصفر، والذي عنده في عرفه أن الأصفر هذا، في جمل مثل هذا؟ لونه مثل هذا؟ ما في، مع أن الجمالات الصفر مثبتة في القرآن، هل نقول: إن هذا محاد لله -جل وعلا-؟ ويقصد حقيقة والشرع يقصد حقيقة أخرى، وقل مثل هذا حينما يقول الحنفية: زكاة الفطر واجبة وليست بفرض، والصحابي يقول: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هل نقول: هذه معاندة؟ هذه حقائق مختلفة، يعني الحقائق الثلاث معروفة عند طلاب العلم، فكون الإنسان يريد حقيقة، ينفي باعتباره حقيقة، وغيره يثبت باعتباره حقيقة، لا تكون هذه معاندة، ولذا ما في أحد اتهم عامة أهل العلم في قولهم: إن غسل الجمعة ليس بواجب، وفي الحديث:((غسل الجمعة واجب)) هذه حقيقة وتلك حقيقة، فمع اختلاف الحقيقة لا تثريب، لكن على طالب العلم أن تكون حقائقه أقرب ما تكون إلى الحقائق الشرعية.