فمقتضى تحريم مكة تعظيمها؛ أن يعظم شعائر الله، لا شك أن تعظيم شعائر الله من تقوى القلوب كما قال الله –عزَّ وجلَّ-. وإذا كان تعظيم مكة وتحريمها من أجل البيت، فتعظيم البيت أولى مما عظم وحرم من أجله. ((إن مكة حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً)): يقتل، القتل إذا كان عن عمد لمؤمن موبقة من الموبقات، كبيرة من كبائر الذنوب وجاء الوعيد الشديد {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ} [(٩٣) سورة النساء] {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [(٦٨) سورة الفرقان]، المقصود أن القتل شأنه عظيم.
((أن يسفك بها دماً)): وهل يتناول القتل بحق من إقامة حد أو قصاص؟ العلماء يختلفون في ذلك، من زنى وهو محصن يرجم في مكة؟ من قتل يقتل في مكة؟ العلماء بينهم خلاف في هذه المسألة فمنهم من يقول: يقتل؛ لأن مكة يتناولها عموم النصوص التي جاءت في تنفيذ الحدود والقصاص، ومكة كغيرها، ومنهم من يقول: لا يقتل؛ لعموم قوله:((أن يسفك بها دماً)) يعني سواءً كان بحق أو بغير حق، وهل معنى هذا أن الناس يتركون يتقاتلون في هذا المكان الطيب الطاهر ولا يردعون؟ نقول: لا، هناك حل يضيق على القاتل حتى يخرج، فإن لم يخرج أخرج منه وقتل خارجه.
((ولا يعضد بها شجرة)): أي ألا يقطع شجرة، وهل يشمل الشجر ما أنبته الله -عز وجل- وأنتبه الآدمي؟ أما ما أنتبه الله -عز وجل- فهو داخل دخولاً لا إشكال فيه، وأما ما أنبته الآدمي فمحل خلاف بين أهل العلم.
((فإن أحد ترخص بقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولوا: إن الله قد ائذن لرسوله، ولم يأذن لكم، وإنما أُذن لي أو أذن لي ساعة من نهار)) يعني مقدار من الزمان وليس المراد به الساعة الفلكية المقدرة بستين دقيقة، لا، المراد بها المقدار من الزمان من غير تحديد.
((وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس)): رجعت، يعني مدة استثنيت من التحريم العام المطلق للنبي -عليه الصلاة والسلام-.