((وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع)) هذا تأكيد، منطوق هذا الكلام تأكيد لمفهوم أول الحديث، وفي معناه، في معنى حديث ابن عمر الحديث الثاني حديث حكيم بن حزام، عن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)) أو قال: ((حتى يتفرقا)) هو في معنى الحديث السابق، فلا حاجة إلى شرحه، ((فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما))، إن صدقا صدق كل واحد منهما صاحبه، فصدق البائع في بيان الصورة الكاملة للسلعة، وما فيها من محاسن ترغب المشتري، وما فيها من عيوب، إن صدقا في كل ما يتعلق بالعقد، السلعة وما يرغب فيها، وما ينفر عنها، وفي القيمة كماً وكيفاً، فالمشتري يبين ما في نقوده من عيب، لما كانت النقود الدراهم والدنانير يدخلها ما يدخلها كالسلع، فلا بد حينئذ من البيان من قبل المشتري، إذا حصل البيان والصدق حصلت البركة، والبركة شيء محسوس وملحوظ بين الناس، التاجر الصدوق الأمين لا شك أنه يبارك له في ماله، والقدر اليسير من المال الذي يكسبه بهذه الطريقة ينفعه أكثر مما يكسب من أضعافه بالطرق الأخرى، والناس يعتمدون هذا الرجل الصادق الذي ينصح لهم، ويقبلون عليه، وينفرون من ضده، كثير من الناس يذهب إلى التاجر الصادق وإن كانت سلعته أغلى من غيرها، وأكثر قيمة، بينما ينفرون من المخادع الغشاش، وإن عرض السلع بأقل من غيره، شواهد الأحوال كثيرة على هذا، فالقدر والعدد ليس بعبرة، هذا موجود في جميع الأعمال، الموظف الذي يؤدي عمله على الوجه المطلوب تجد في دخله من البركة ما لا تجده في من هو أكثر منه بالدخل، إذا لم يكن مخلصاً نفسه، مبرئاً لذمته، وكم سمعنا ونسمع في الدوائر الحكومية من المستخدَمين وصغار الموظفين ممن يقرض الكبار ويداينهم، هذا موجود، والسبب في ذلك الحرص على براءة الذمة في الأعمال، والله المستعان.