للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: واستعادني القول ثلاث مرات، كل (١) ذلك أردّ عليه بمعنى واحد بألفاظ مختلفة.

قال: احبسوه. فحبست في دار العامّة، وكنت لا أدْري أحداً آنَسُ به إلا محمد بن الحسن، وكُنْت أَميلُ إليه؛ للفقه، وآمُلُ أن يشفع لي عند السلطان. فحضر يوماً، فأقبل يذم المدينة ويضع من أهلها، ويذكر أصحابه ويرفع من أقدارهم، ويذكر أنه وضع على أهل المدينة كتاباً، يقول: إنِّي لو وجدت أحداً ينقُض من كتابي حَرْفاً تَنْقُلُني (٢) إليه أَكْبَادُ الإبلِ لَضَرَبْتُ إليه. فرأيت وجوه المهاجرين والأنصار، وإنها لتَسْوادُّ مما يسمعون في المدينة وأهلِها، ورأيت أصحابَ محمدِ بن الحسن، وإنَّ وجوههم لَتُشْرِقُ وتَبْيَاضُّ مما يسمعون من مَدح أصحابهم، فتمَثَّلْتُ بين أمرين: بين أن يزداد السلطان عليَّ غضباً، وأُبَيِّضُ وجوه المهاجرين والأنصار، وبين أن أسكت عن ذلك رجاء أن يكون محمد بن الحسن يشفع لي عند السلطان، فاخترت رضا الله، عز وجل، في ذلك الموضع، فَجثَوْتُ بين يديه، ثم قلت: أبا عبد الله، أراك أصبحت تهجو المدينة وتذُمُّ أهلها؟!

فإن كنت أردتَها، فإنها حرمُ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأمْنُه، ودارُ الهجرة: بها نزلَ الوحي، ومنها خُلِقَ النبي، صلى الله عليه وسلم، وبها قبره. وسماها رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم: طَابَة، فيها روضةٌ من رياض الجنَّة.

ولئن كنت أردتَ أهلها فهم أصحابُ رسول الله، صلى الله عليه وسلم،


(١) ليست في ا.
(٢) في ح: «تبلغني».
[م - ٨ مناقب]