شغف البيهقي بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنفق حياته في تحصيلها ودرسها وإيصالها نقية بيضاء إلى أبناء الإسلام الذين افترض عليهم ربهم أن يأخذوا ما آتاهم الرسول، وأن ينتهوا عما نهاهم عنه، والذين أمرهم رسولهم الكريم أن يبلغوا عنه مقالته إلى من بعدهم لتكون كلمة الله وكلمة رسوله باقية على وجه الزمان؛ تنير للمسلمين سبيلهم، وتدير على الحق أعمالهم وأقوالهم، وتجمع قلوبهم على عبادة من خلقهم ورضى لهم الاسلام دين عزة وسعادة في الدنيا والآخرة.
* * *
وقد دفعه هذا الشغف العظيم إلى العناية بآثار الشافعي: ناصر السنة، ومؤسس فقهها، وفاتح أقفالها، والذي شهد له أعلام العلماء بأنهم ما عرفوا فقه السنَّة إلا بعد أن استخرج مكنونها، واستنبط فنونها، وجلّى دقائقها ببيانه المشرق المتين، وأسلوبه الجزل الرصين.
وما كانت عناية البيهقي بآثار الشافعي وليدة الخطرة العابرة، والفكرة السائرة، والنظرة الطائرة، بل كانت وليدة التأمل الوثيق، والتفكر العميق، والاعتبار الدقيق، والمقايسة بين ما كتبه أعلام الأئمة الذين قاموا بعلم الشريعة، وبنوا مذاهبهم على مبلغ علمهم من كتاب الله، وسنة رسول الله.
وقد انتهت تلك المقايسة بالبيهقي إلى عرفانه أن الشافعي أكثر الأئمة اتباعا، وأقواهم احتجاجا، وأصحهم قياسا، وأبينهم بيانا، وأفصحهم لسانا،