للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذين كان لهم "نعم قد ملأ الأرض"١، أو "نعم قد ملأ كل شيء"٢، أو أولئك الذين كانوا يفقئون أعين فحلهم ليردوا عن إبلهم العين لأنها بلغت ألفا٣، أو ذلك الذي فقأ أعين عشرين بعيرا لأن إبله بلغت عشرين ألفا، والذي ربما ذبح في أيام الحجيج عشرة آلاف بدنة٤، وفي الأخبار أن عتاب بن ورقاء تكفل مرة بدفع تسع ديات٥، وما أكثر ما نسمع عن ديات بلغت آلافا من الإبل٦.

وإلى جانب هذه الطبقة من المالة الذين ملأ نعمهم الأرض، وجدت طبقة أخرى من الصعاليك لا تكاد تملك شيئا، أو -كما يقول بعض شعرائها- "تجرر حبلا ليس فيه بعير"٧. وقد رأينا في الفصل الأول صورة لفقر هؤلاء الصعاليك، وكيف أن بعضهم كان يملق حتى لا تبقى له شيء، أو يفتقر فيخرج وقد آلى على نفسه ألا يرجع حتى يستغني.

والأمر الذي لا شك فيه أن حياة هذه الطبقة الفقيرة من البدو كانت في مستوى اقتصادي سيئ جدا، حتى ليضطر بعضهم إلى قتل أولادهم خشية إملاق، كما يحدثنا القرآن الكريم٨، أو بيعهم ليستعينوا بأثمانهم على الحياة، كما نرى فيما يرويه الرواة عن صعصعة بن ناجية الذي كان يشتري الموءودات من آبائهن؛ إذ يذكرون عنه إنه لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم، قال له: "يا رسول الله، إني كنت أعمل عملا في الجاهلية، أفينفعني


١ نقائض جرير والفرزدق ١/ ٢٣٤.
٢ الأغاني ١٨/ ١٣٤.
٣ نقائض جرير والفرزدق ١/ ٢٣٤.
٤ ابن كثير: البداية والنهاية ١/ ١٨٧.
٥ الجاحظ: البيان والتبيين ٣/ ١٣٤.
٦ بلغت الدية التي دفعت لبني ثعلبة بن سعد في حرب داحس والغبراء ألف ناقة "نقائض جرير والفرزدق ١/ ١٠٥" وقد عرض بنو أسد على امرئ القيس بعد قتلهم أباه ألف بعير دية "الأغاني ١٩/ ٨٥" وبلغت الديات في حرب عبس وذبيان ثلاثة آلاف بعير "الأغاني ١٠/ ٢٩٧".
٧ الأحيمر السعدي في المؤتلف والمختلف للآمدي/ ٣٦.
٨ الأنعام/ ١٥١، والإسراء/ ٣١.

<<  <   >  >>