رأينا في صعاليك العرب سلكوا جميعا أسلوبا واحدا في الحياة، آمنوا بأنه الأسلوب الوحيد الذي يستطيعون به أن يرفعوا عن كواهلهم ما وضعته فوقها ظروف مجتمعهم الجغرافية، وتقاليده الاجتماعية، وأوضاعه الاقتصادية، من ضيم وهوان، وهو ذلك الأسلوب الذي جعلنا شعاره "الغزو والإغارة للسلب والنهب".
ورأينا أن صعاليك العرب جميعا، سواء منهم الخلعاء أو الأغربة أو الفقراء المتمردون، قد تخلصوا من فكرة "العصبية القبلية" وشقوا طريقهم في الحياة دون تقيد بقبائلهم، أو رجوع إليها، أو حرص على رضاها، حتى أولئك الذين ظلوا على صلة بقبائلهم، أو -بتعبير أدق- بمنازل قبائلهم، لم تكن حركاتهم مرتبطة بالحياة الاجتماعية العامة في قبائلهم.
ورأينا أن مرد هذا إحساس هؤلاء الصعاليك بأنهم مهضمون الحق، مستضعفون في الأرض، وما نشأ عن هذا الإحساس بالضعة، وعن هذه الرغبة في التسامي، من "مركب نفسي"، اتجه بهم إلى التمرد.
وليس من الطبيعي أن تكون كل شخصيات صعاليك العرب قد فنيت في هذه "العصبية المذهبية" التي استعاضوا بها عن "العصبية القبلية"، وإنما الطبيعي أنه برغم هذا التشابه في جماعات الصعاليك، يوجد تميز بين شخصياتهم، فقد رأينا أن أساس حركة الصعلكة قوة النفس، وأن قوامه مقدرة الفرد على الوقوف في وجه المجموع.