ومن الطبيعي تبعا لهذا أن يختلف موقف الصعاليك من هذه الحركة التي وهبوا لها حياتهم. ونستطيع في سهولة أن نلحظ شخصيتين متميزتين نرد إليهما جماعة الصعاليك: فهناك تلك الشخصية المتمردة التي رأت في هذه الحركة فرصة سانحة تظهر فيها بطولتها الفردية، وتستغلها إلى أبعد حد في إرضاء ما في نفسها من نزعة شريرة، تصبغ حياتها كلها بلون من الدم الأحمر القاني محبب إليها، لا يرضيها إلا أن ترى تلك الرءوس اليانعة، رءوس الأغنياء المترفين، تتطاير تحت ضربات سيوفها، وذلك المال الذي يملكونه ينهب، بل هي لا تبالي في سبيل ذلك بأن توجه حركاتها المتمردة الشريرة ضد أية جماعة من الناس لا ترضى عنها. وإلى جانب هذه الشخصية التي رأت أن يكون تمردها الغاية والوسيلة معا، نرى شخصية أخرى رأت أن يكون تمردها وسيلة لغاية إنسانية معينة، هي رفع الظلم عن المظلومين، وحماية المتسضعفين من ضيم السادة الأقوياء، وتهيئة الفرصة للفقراء المهضومة حقوقهم ليشاركوا سائر أفراد مجتمعهم في حياة اجتماعية كريمة عن طريق إحداث نوع من العدالة الاجتماعية والتوازن الاقتصادي الفطري بين طبقتي هذا المجتمع الاقتصاديتين: طبقة المالة وطبقة الصعاليك، بما تنهبه من الطبقة الأولى لتوزعه على الطبقة الأخرى.
وحين ننظر في مجموعة صعاليك العرب نجد أن أشهر من يمثل هذه الشخصية الأخرى عروة بن الورد، أبو الصعاليك، الذي أخذ على عاتقه من الناحية الاجتماعية أن يحقق هذه العدالة الاجتماعية وهذا التوازن الاقتصادي، ومن الناحية الفنية أن يقف موقف الداعية صاحب المذهب الذي يتخذ من شعره وسيلة للدعاية إلى مذهبه.
أما الشخصية الأولى فإن أفرادها أكثر من أن يحصوا. لأنها تمثل طائفة المتمردين من فتيان المجتمع الجاهلي، وما أكثرهم! ولعل الشنفرى من أصلح ممثلي هذه الشخصية للدراسة الاجتماعية، نظرا لإمعانه في التمرد والشر. حتى ليذكر الرواة أنه آلى على نفسه ليقتلن مائة من بني سلامان بسبب لطمة لطمتها له إحدى فتياتهم، ولعله أصلح ممثلي الشخصية للدراسة الفنية لأن له بين أيدينا ديوانا مستقلا نستطيع أن نضمه في الكفة الأخرى من الميزان أمام ديوان عروة.