حين ننظر في مجموعة شعر الصعاليك لنتبين خصائصها اللغوية فإن أول ما نلاحظه على لغتهم أنها هي اللغة الأدبية التي عرفها العصر الجاهلي بكل ما نعرفه عن هذه اللغة من خصائص، وهذه ظاهرة طبيعية ليس من الصعب تعليلها، فإن الشعراء الصعاليك، مهما يبلغ بهم الأمر في الخروج على تقاليد مجتمعهم الأدبي من ناحية موضوعات شعرهم، أو معانيه، أو خصائصه الفنية، فما هم بقادرين على الخروج عليه من ناحية لغتهم؛ لأن هذا الجانب اللغوي هو العامل المشترك بينهم وبينه، والوسيلة الأساسية للتفاهم بينهم وبين أفراده، أو -بعبارة أخرى- هو "العملة" التي اتفق المجتمع الأدبي على أنها أساس التبادل الفكري بين أفراده جميعا سواء منهم المتوافقون معه أو الخارجون عليه، وبدون هذه "العملة" يصبح عمل الشعراء الصعاليك الفني عملا "مزيفا" لا يصلح للتداول، أما تلك الجوانب الأخرى من العمل الفني: الموضوعات والمعاني والخصائص الفنية فإنها الجوانب الشخصية فيه التي يستطيع كلٌّ أن يتصرف فيها كما يشاء.
ولكن يبدو أننا يجب أن نقيد هذا الكلام قليلا، فإن للمسألة جانبا آخر يجب ألا نغفله، فنحن نعرف أن الشعراء الصعاليك قد خرجوا على مجتمعهم القبلي، وانطلقوا إلى أعماق الصحراء النائية مشردين. ومعنى هذا أن صلة الشعراء الصعاليك بالمجتمع الأدبي من حولهم لم تكن صلة دائمة مستمرة، أو -بعبارة