للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخرى- أن المجتمع الأدبي من حولهم لم يكن على صلة دائمة مستمرة بهم.

ونتيجة هذا من الناحية اللغوية أمران:

الأول أن لغة الشعراء الصعاليك أقرب إلى فطرة اللغة العربية، وأصدق تمثيلا لها؛ إذ هي صادرة من منابعها الأولى قبل أن تؤثر فيها تلك التيارات الاجتماعية وغير الاجتماعية التي تؤثر في اللغات. ولسنا ندعي أن لغة سائر الشعراء الجاهليين لا تمثل فطرة اللغة العربية، ولكن الذي نقرره هو أن لغة الشعراء الصعاليك أقرب إلى فطرة اللغة العربية، وأصدق تمثيلا لها من سائر الشعراء الجاهليين.

ولعل هذا هو السبب في كثرة ما يرد من شعر الصعاليك في المعاجم اللغوية، واعتماد أصحاب هذه المعاجم عليه في تكوين مادتهم اللغوية، وفي لسان العرب وتاج العروس مجموعة كبيرة من أبيات الشعراء الصعاليك، وقد رأينا أن المجموعة اللغوية تعد من المصادر الأساسية لشعر الصعاليك، أو -بعبارة أخرى- أن شعر الصعاليك من المصادر الأساسية للمجموعة اللغوية.

والأمر الثاني كثرة الغريب في شعرهم، حتى ليشعر الناظر فيه أحيانا أنه أمام مجموعة من الطلاسم اللفظية، يضطر أمام كل لفظ منها إلى الرجوع إلى المعاجم المطولة؛ لأن المعاجم المختصرة لا تسعفه، ويكفي أن نقرأ هذه الأبيات لتأبط شرا:

وحثحثت مشعوف النجاء كأنني ... هجف رأى قصرا وسمالا وداجنا

من الحص هزروف كأن عفاءه ... إذا استدرج الفيفا ومد المغابنا

أزج زلوج هذرفي زفازف ... هزف يبذ الناجيات الصوافنا١

أو هذين البيتين له أيضا:

وشعب كشل الثوب شكس طريقه ... مجامع صوحيه نطاق محاصر

به من سيول الصيف بيض أقرها ... جبار لصم الصخر فيه قراقر٢


١ الأغاني ١٨/ ٢١٣ وانظر ص٢٢١ من هذا البحث.
٢ الأصمعيات / ٣٥. والبيت الثاني في لسان العرب مادة "جبر" وفي "به من نجاء الصيف" وانظر: ص٢٤٢ من هذا البحث.

<<  <   >  >>