للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٦- القصصية:

وإذ قررنا أن شعر الصعاليك صورة صادقة كل الصدق من حياة أصحابه، يسجلون فيه كل ما يدور فيها، فإننا نصل إلى تقرير ظاهرة مترتبة على هذه الفكرة وهي ظاهرة "القصصية في شعر الصعاليك"، فشعر الصعاليك -في مجموعة- شعر قصصي يسجل فيه الشاعر الصعلوك كل ما يدور في حياته الحافلة بالحوادث المثيرة التي تصلح مادة طيبة للفن القصصي، فحوادث مغامراتهم الجريئة التي كانوا يقومون بها فرادى وجماعات وما كان يدور فيها من صراع دام مرير، وأخبار فرارهم وعدوهم، وتشردهم في أرجاء الصحراء بين وحشها وأشباحها، وتربصهم فوق المراقب في انتظار ضحاياهم، كل هذا وغيره من مظاهر حياتهم مادة صالحة للفن القصصي. وقد استغل الشعراء الصعاليك هذه المادة في شعرهم استغلالا قصصيا رائعا جمع في صورة بسيطة عناصر الفن القصصي الأساسية من الإثارة والتشويق وتسلسل الأحداث حتى تصل إلى غايتها الطبيعية المحتومة.

وقد رأينا عند حديثنا عن "ظاهرة الوحدة الموضوعية في شعر الصعاليك" أن أكثر مقطوعاته وقصائده تقبل العناوين. ونظرة أخرى إلى هذه العناوين على ضوء هذه الظاهرة الجديدة، ظاهرة القصصية، ترينا أنها في مجموعها عناوين قصصية. وهل "غارة على العوص"، أو "العاشية المذعورة"، أو "احتيال"، أو "نجاة"، أو "فرار" إلا عناوين قصصية؟ وهل بائية السليك١ إلا قصة بطلاها الشاعر وصاحبه، ومسرحها تلك المهامة الرملية التي تصل بين ديارهما وديار أعدائهما في الفصل الأول منها، ثم ديار الأعداء في الفصل الثاني، وزمانها تلك الليلة التي خرجا فيها وذلك الصباح الذي بدأا فيه الصراع بينهما وبين أعدائهما، وحوادثها خروجهما من ديارهما وجزع صاحبه في الطريق، وتشجيع السليك له وبعث الطمأنينة والأمل في نفسه، ثم ذلك الصراع بينهما وبين أعدائهما، ثم تأتي الخاتمة أو الفصل الأخير من القصة بانتصار الصعلوكين واستيلائهما على الإبل ثم عودتهما بها؟ وهل لامية تأبط شرا٢ إلا قصة تبدأ بحوار بين صاحبه الشاعر وجاراتها، ثم تتابع أحداث القصة التي تدور بين بطلها وهو الشاعر الصعلوك في ليلة مظلمة حالكة وبين غول قابلها، حتى تصل القصة إلى نهايتها حين يقتل الشاعر الصعلوك هذه الغول ويخلفها


١
بكى صرد لما رأى الحي ... أعرضت مهامه رمل دونهم وسهوب
"الأغاني ١٨/ ١٣٦".
٢
تقول سليمى لجارتهما ... أرى ثابتا يفنا حوقلا
"الشعر والشعراء / ١٧٦، وحماسة ابن الشجري / ٤٧".

<<  <   >  >>