وتتصل بهذه الظاهرة ظاهرة رابعة من حيث البناء الخارجي لشعر الصعاليك، وهي عدم الحرص على التصريع في مطالع نماذجه الفنية. وقد كان يخيل إلي في أول الأمر أن هذه الظاهرة قد تكون خاصة بمجموعة الشعر داخل دائرة الصعلكة دون سائر شعر الصعاليك، أو بالمقطوعات منه بالذات، أو بالقصائد ذات الوحدة الموضوعية، ولكني حين استعرضت مجموعة شعر الصعاليك كلها رأيت أن هذه الظاهرة توشك أن تكون مطردة في كل شعر الصعاليك سواء ما كان منه داخل دائرة الصعلكة وما كان خارجها، وسواء ما كان مقطوعات أو قصائد، وسواء ما كان خاضعا للوحدة الموضوعية أو خارجا عليها، وأقول "توشك" لوجود مجموعة من نماذجه الفنية يظهر التصريع في مطالعها، وهي مجموعة -وإن تكن قليلة- تحول دون إطلاق الحكم على كل شعر الصعاليك. ولكن الشيء الذي نحرص على تسجيله هو أن هذه الظاهرة لا تختص بمجموعة خاصة من شعر الصعاليك دون مجموعة، ولو أنها كانت مختصة بمجموعة دون مجموعة لالتمسنا تعليلها في خصائص المجموعة التي تختص بها، ولكن انتشارها بهذه الصورة "اللاقاعدية" تجعلنا نلتمس لها تعليلا آخر. وتعليلها عندي يرجع إلى تلك الحرية التي كانوا يعيشون فيها والتي كانت ترفض الخضوع لتقاليد مجتمعهم، تلك الثورة وتلك الحرية ظهرت آثارهما عن طريق العقل الباطن في حياتهم الفنية، فكان شعرهم ثائرا على الأوضاع الفنية في الشعر الجاهلي القبلي، حرا في أوضاعه الفنية. ولكنا