الباحث في شعر الصعاليك يجد مجموعة من القصائد والمقطوعات قيلت في أغراض قبلية، وتتسم بسمات الشعر الجاهلي القبلي، وهي مجموعة -وإن تكن قليلة متضائلة- تبدو للنظرة الأولى غريبة على شعر الصعاليك؛ لأننا نعرف أن هؤلاء الصعاليك قد تحللوا من التزاماتهم القبلية، فتحللت شخصياتهم الفنية من التأثر بها، فكان طبيعيا أن يخلو شعرهم من تلك الأغراض القبلية التي نراها في سائر الشعر الجاهلي.
ولكن المسألة لا تصل إلى درجة المشكلة، فمن الطبيعي أن حياة هؤلاء الصعاليك قد مرت بدورين اجتماعيين: الدور الأول وهو فترة ما قبل التصعلك، تلك الفترة التي كان الصعلوك فيها عضوا عاملا في المجتمع القبلي قبل أن يبلغ سوء توافقه الاجتماعي الذروة التي يبدأ من عندها الدور الثاني في حياته الاجتماعية، وهي فترة تصعلكه التي قد تستمر حتى مقتله أو موته. وليس يعنينا أن يقلع الصعلوك عن تصعلكه، فهو في هذه الحالة لا يبدأ دورا ثالثا في حياته الاجتماعية، وإنما يعود عودة اجتماعية لا عودة زمنية إلى الدور الأول. ومن الطبيعي أيضا أن يكون بعض هؤلاء الصعاليك قد اكتملت مواهبهم الفنية في الدور الأول فشاركوا شعراء القبيلة في حياتهم الفنية، وأيضا قد يشاركونهم فيها إذا ما انتهى الدور الثاني بالعودة إلى الحياة القبلية. ومعنى هذا أن هذه المجموعة القبلية من شعر الصعاليك نتاج لفترتين تمثلان في الحقيقة دورا اجتماعيا واحدا: فترة ما قبل التصعلك وفترة ما بعد التصعلك.