من الطبيعي -ما دامت حياة صعاليك العرب قد اتخذت شعارها "الغزو والإغارة للسلب والنهب"- أن يكون أكبر ما يُعنى به شعراؤهم أحاديث مغامراتهم؛ لأن هذه المغامرات هي "الحرفة" التي قامت عليها حياتهم، والأسلوب الذي انتهجوه فيها لتحقيق غاياتهم. وهم يتحدثون عن هذه المغامرات حديث المؤمن بقيمتها في حياته، المعجب بها، الفخور ببطولته فيها، أو بمقدرته على النجاة من أخطارها وقد ضاقت في وجهه سبل النجاة.
وهم يصفون كل ما يحدث في هذه المغامرات، منذ أن تأخذ جماعة الصعاليك في وضع خطتها، إلى أن تنتهي الغارة، ويعود فتيان الصعاليك بأسلابهم بعد أن نفذوا خطتهم، وحققوا أهدافهم، وهم يصفون، في أثناء ذلك، الطريق الذي سلكوه، ويتحدثون عن رفاق الغارة، ودور كل واحد فيها، وكيف نفذوا خطتهم، وكيف كانت آثارها في أعدائهم، وكيف انتهت الغارة وعاد فتيان الصعاليك إلى قواعدهم سالمين بعد أن قتلوا وسلبوا ونهبوا.
فهذا الشنفرى يخرج في عدة من فهم١ فيهم عامر بن الأخنس وتأبط شرا والمسيب وعمرو بن براقة ومرة بن خليف يقصدون العوص، وهم حي من بجيلة، فلما انتهوا من الغارة، وأخذوا طريق العودة، اعترضت لهم خثعم،
١ الأغاني ١٨/ ٢١٥، ٢١٦، وديوان الشنفرى في الطرائف الأدبية/ ٣٢.