للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مقدمة الطبعة الأولى]

١- ليست دراسة العصر الجاهلي بالمسألة اليسيرة القريبة المنال، وإنما هي مسألة غامضة ومتشعبة وصعبة.

أما غموضها فيرجع إلى طبيعة العصر نفسه، فهو عصر يمتد القهقرى من ظهور الإسلام إلى حيث لا ندري، أو هو تلك الفترة الغامضة من فترات التاريخ العربي التي يصح أن نطلق عليها "عصر ما قبل التاريخ العربي"، على أساس أن التاريخ العربي في صورته الدقيقة الثابتة إنما يبدأ منذ ظهور الإسلام الذي جعل من العرب أمة واحدة ذات كيان متميز متماسك. تسلك سبيلها في التاريخ، سبيلا واضحة المعالم. فهو عصر أكثر فتراته ضائعة مجهولة، وأقلها مشكوك فيها، وحسبنا أن نقول إننا لا نكاد نعرف عنه شيئا منذ بدايته إلى ما قبل الأساطير والأقاصيص، إن تكن ذات قيمة لطائفة من العلماء فإنها عديمة القيمة تقريبا للباحثين في الأدب العربي. وحين تبدأ معلومات هذا العصر تصل إلينا يقف دون وضوحها والاطمئنان إليها أمران: فهي -من ناحية- تتحدث عن مجتمع بدوي بَعُدَ العهد به، وهي -من ناحية أخرى- معلومات لم تدون إلا في عصور متأخرة، وظلت شفاه الرواة تتناقلها حتى دونت، وبعد أن دخلها -بطبيعة الحال- شيء قليل أو كثير من التحريف والضياع والانتحال. ومن هنا نشأت فكرة الشك فيما وصل إلينا من أخبار ونصوص عن هذا العصر. ومن هنا أيضا وُجدت فكرة الغموض: غموض العصر الذي لا نستطيع تمثله التمثيل الواضح، وغموض المعلومات التي لا تستطيع الاطمئنان إليها اطمئنانا تامًّا.

<<  <   >  >>