للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهي مسألة متشعبة؛ لأنها تتصل بمجتمع رعوي -في مجموعه - لم يعرف الاستقرار. ومن هنا لم تعرف ظواهره الاجتماعية الاستقرار الذي ييسر على الباحث دراستها دراسة دقيقة كاملة. ثم هو -إلى جانب هذا- مجتمع يدين بالحرية الفردية إلى أبعد حد، لم يعرف -إلا في بعض أجزائه- النظام السياسي الذي يهيئ للباحث تحديد جوانب دراسته؛ لأنه يقف أمام طائفة من الظواهر الفردية تتعدد بتعدد الأفراد والجماعات التي هي في حكم الأفرد، فلم تكن الجماعات التي عرفها المجتمع الجاهلي سوى مجموعات من الأفراد تدين بالحرية الفردية، وإن لم تكن حرية حاول أصحابها -تحقيقا لصورة ما من صور الجماعة- أن يلونها بلون جماعي.

ثم هي مسألة -بعد هذا وذاك- صعبة؛ لأنها غامضة ومتشعبة.

ولكني مع ذلك -ولا أدري لماذا؟ - مفتون بهذا العصر الجاهلي فتنة ترجع إلى عهد بعيد، وكل ما أتمناه أن تتحول هذه الفتنة إلى إيجابية فعالة تحطم من هذه الصخرة العاتية، صخرة هذا العصر.

٢- من هذه الزواية من زوايا النظر لم أحاول -حين فكرت في دراسة العصر الجاهلي- أن أقف منه موقفا عاما شاملا، أو أن أنظر إليه من عَلُ نظرة مشرفة واسعة الأفق، وإنما حاولت أن أتخير -خطوة أولى لدراسته- جانبا من جوانبه أقف عنده وقفة عميقة، وأنظر إليه نظرة ممعنة فاحصة، حتى لا تضل دارستي بين شعاب الصحراء الفسيحة المترامية الممتدة إلى ما وراء مطارح البصر.

وشغلتني مهمة الاختيار هذه فترة من الزمن، كنت في أثنائها أستعرض الجوانب المتعددة لهذا العصر، وكلها يستحق الدرس والبحث. ثم قفز إلى ذهني موضوع "الصعاليك"، وأخذت أسهمه في الصعود.

<<  <   >  >>