للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قفز هذه الموضوع إلى ذهني لأنه موضوع لم يعن به الباحثون من قبل، ولم يقفوا عنده، ولم يشغلوا أنفسهم به، وأخذت أسهمه في الصعود لما كنت أشعر به من أهميته، وطرافته، وتحديده، وتمثيله ظاهرة متميزة من ظواهر العصر الجاهلي.

ويقف موضوع الصعاليك في تاريخ الأدب العربي كتلك المراقب الشم الشامخة التي أطال في الحديث عنها شعراؤهم، والتي لم يكن أحد غيرهم يستطيع أو حتى يجرؤ على الصعود إليها، يحوم حوله الباحثون ثم يتجنبون المغامرة باقتحامه، أو ينظرون إليه نظرة خاطفة دون إقدام على الاقتراب منه، مع اعترافهم بأنه موضوع في حاجة إلى البحث والدرس، كأنه منطقة خطرة من تلك المناطق التي كان الصعاليك يمارسون فيها نشاطهم الدامي الرهيب، وكأنما كتب على هؤلاء الصعاليك الذين لم يلقوا من مجتمعهم عناية أو اهتماما في حياتهم أن تظل اللعنة تلاحقهم طوال تلك القرون المتعاقبة بعدهم، وكأنما كتب على هؤلاء المشردين في آفاق الأرض أن يظلوا مشردين في أعماق الكتب والأسفار.

وفي أذهان الناس عن الصعاليك صورة غامضة غير مشرفة، تكسوها ظلال قاتمة تحجب كثيرا من معالمها وخطوطها، وتغشيها سحب دُكْن تخفي وراءها كثيرا من النور والضياء، وينقصها كثير من الأضواء الكاشفة تجلو عنها ظلالها القاتمة، وتبعد عنها سحبها الدكن، حتى يبين ما يحتجب خلفها من معالم وخطوط وأضواء.

ومهمتي في هذا البحث أن أحاول تجلية هذه الظلال، وإزاحة هذه السحب، حتى يستبين ما وراءها، وتبدو الصورة على حقيقتها واضحة مشرقة.

<<  <   >  >>