للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣- وقد كان أساس المنهج لبحث هذا الموضوع أن أبدأ غير متأثر برأي أحد من الباحثين، فآثرت في أول الأمر أن لا أقرأ شيئا عنه لأحد من الباحثين، ومضيت إلى أخبار الصعاليك وأشعارهم في مصادرها الأصيلة الأولى في محاولة جاهدة لتكوين رأي لي، وانقضت سنوات وأنا سعيد بصحبة هؤلاء "الفتيان" -كما كان يحلو لهم أن يسموا أنفسهم- وأقرأ وأدون، وأتأمل وأفكر، وأحدد خطوط الصورة، وأنقب عن معالمها، حتى إذا ما كونت لنفسي رأيا في الموضوع، وأخذت خطوط الصورة ومعالمها تتضح لي، مضيت أبحث عن دراسات الباحثين فيه، فراعني أني لم أجد أحد قبلي قد عني بدراسته دراسة شاملة متخصصة، وإنما كل ما عثرت عليه طائفة من المقالات تترجم لجماعة من الشعراء الصعاليك، أو بعض الأبحاث السريعة في هذه الموضوع ترسم الخطوط العامة له، حتى إن "دائرة المعارف الإسلامية" -على ضخامتها وسعتها، وكثرة موادها، وتعدد القائمين بها- لم تعرض لهذا الموضوع على الإطلاق، وإنما كل ما فعلته أنها ترجمت لطائفة قليلة من شعرائه، هم عروة والشنفرى وتأبط شرا.

ونظرت فإذا عليَّ أن أدرس جانبين: حياة هؤلاء الصعاليك كما تتمثل في أخبارهم وأشعارهم لأستخلص منها الجوانب المختلفة لظاهرة الصعلكة، ثم شعرهم من حيث هو نتاجهم الفني المعبر عن آرائهم وأفكارهم لأستخلص منه هذه الآراء والأفكار، ولأسجل في ضوئه الظواهر الفنية التي تميز فنهم. وهكذا انقسم البحث إلى قسمين أساسيين: دراسة للظاهرة، ودراسة للشعر.

ثم نظرت فإذا القسم الأول ممعن في الغموض، فما معنى الصعلكة؟ وما تعريف الصعلوك؟ وهل يتفق المفهوم اللغوي لهما مع ما عرفه المجتمع الجاهلي عنهما؟ فرأيت أن أفرد فصلا للتعريف بهذه الظاهرة، عرضت فيه للتعريف

<<  <   >  >>