للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣- إيمان القبيلة بجنسها:

كما آمنت القبيلة بوحدتها هذا الإيمان العميق الذي ترتب عليه ظهور هذه الطائفة من التقاليد الاجتماعية التي تحدثنا عنها، آمنت بجنسها، وذلك لأن من الأسس التي قامت عليها القبيلة العربية إيمان أبنائها "برابطة الدم"، أي أنهم جميعا من دم واحد.

وقد أثار بعض المستشرقين تشكيكا في "رابطة الدم" هذه: أهي رابطة حقيقية أم رابطة مدعاة؟ ١ وليس يعنينا هنا هذا التشكيك؛ لأن مناقشته والانتهاء إلى رأي فيه إنما تكون في مجال دراسة أصول القبائل العربية وأنسابها، وليس هنا مجال هذه الدراسة، وإنما الذي يعنينا هنا هو أن "كل الأفراد الذين ينتمون إلى قبيلة واحدة كانوا يعدون أنفسهم من دم واحد"٢، وأنهم جنس واحد، متشابه العناصر والمقومات، لا يختلف أفراده إلا بمقدار ما يختلف أبناء الأسرة الواحدة، بل إن بعض الباحثين المحدثين يرى أن أفراد الحي الواحد من القبيلة كانوا لا يعدون أنفسهم من "دم واحد" فحسب، ولكن من "لحم واحد" أيضا، ومن ملاحظاته التي يؤيد بها رأيه ما تستعمله اللغة العربية من لفظة "اللُّحمة" في التعبير عن معنى القرابة٣، ولعل فيما عبر به العرب عن بعض أشكال جماعاتهم بالبطن والفخذ ما يصور ذلك الإحساس الذي كان يحسه العربي بتلك الصلة "الجسدية" التي تربطه بجماعته.

وقد نشأ عن هذا الإيمان بوحدة الجنس في نفوس أبناء القبيلة إيمان بامتيازه، فقد آمنوا بأنهم جنس ممتاز لا تفضلهم قبيلة أخرى٤، وهم يفضلون كل القبائل٥، آباؤهم أشرف آباء٦، وأمهاتهم أكرم أمهات٧، وهم أجدر الناس بأن يكونوا خير الناس٨، ولعل في هذا الإيمان بامتياز الجنس ما يفسر


١ انظر: SMITH; KINSHIP AND MARRIAGE IN EARLY ARABIA, PP. ١, ٦٢; & ZWEMER ARABRA, THE GRADLE OF ISLAM, P. ١٥٩.
٢ SMITH; KINSHIP & MARRIAGE IN EARLY ARABIA, P;. ٢٥.
٣ IBID.; P. ١٧٥.
٤
حديا الناس كلهم جميعا ... مقارعة بنيهم عن بنينا
"عمرو بن كلثوم في معلقته". يقول التبريزي: "قالوا معنى حديا الناس كما تقول واحد الناس، وقيل: معناه نحن أشرف الناس". "شرح القصائد العشر/ ٢٣٢".
٥ #إني لمن قوم بنى الله مجدهم
على كل باد في الأنام وحاضر#
"المرزباني: معجم الشعراء/ ٢٢٧".
٦
إنا بني نهشل لا ندعي لأب ... عنه ولا هو بالأبناء يشرينا
"حماسة أبي تمام ١/ ٥١".
٧
وأماتنا أكرم بهن عجائزا ... ورثن العلا عن كابر بعد كابر
"المرزباني: معجم الشعراء/ ٢٢٧".
٨
ونحن بنو ماء السماء فلا نرى ... لأنفسنا من دون مملكة قصرا
"حماسة أبي تمام ١/ ١٣٠".

<<  <   >  >>