للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[التخلص من المقدمات الطلية]

...

٣- التخلص من المقدمات الطللية:

إذا استثنينا هذه المجموعة التقليدية من شعر الصعاليك فإننا نصل إلى تسجيل ظاهرة ثالثة، وهي ظاهرة "التخلص من المقدمات الطليلة". وهذا طبيعي ما دام الشعراء الصعاليك يحرصون على الوحدة الموضوعية في شعرهم؛ إذ إن المقدمات الطللية تخل -بطبيعة الحال- بهذه الوحدة الموضوعية. وفيما عدا تلك المجموعة التقليدية التي أشرنا إليها لا نعثر فيما بين أيدينا من شعر الصعاليك على مقطوعة أو قصيدة تبدأ بمقدمة غزلية، وإنما اتخذ الشعراء الصعاليك لهم مذهبا آخر استعاضوا به عن هذه المقدمات، وهي مذهب جعلوا محوره "حواء الخالدة" أيضا، ولكنها ليست المرأة المحبوبة التي عرفناها عند الشعراء القبليين، تلك التي يتدله الشاعر في حبها ويبكي أيامه معها، ويقف على أطلال ديارها، ويدعو أصحابه إلى الوقوف معه، ولكنها المرأة المحبة الحريصة على فارسها، التي تدعوه دائما إلى المحافظة على حياته، إن لم يكن من أجل نفسه فمن أجلها هي. وليس من شك في أنها براعة ممتازة أن يضع الشعراء الصعاليك في مستهل قصائدهم صورة للأنثى الضعيفة التي يظهر صاحبها إلى جوارها بطلا قويا مستهينا بحياته من أجل فكرته، يرفض نصيحتها في رفق وأدب، ويقابل جزعها بابتسامة الواثق بنفسه، المعتد بشخصيته، ويحاول أن يقنعها في قوة وإيمان بسداد رأيه، وسلامة مذهبه في الحياة. والبراعة هنا ترجع إلى وضع صورتين متقابلتين في معرض واحد مما يترتب عليه وضوح الألوان الفنية في كلتيهما، وهو وضع يذكرنا بما نعرفه من آداب فرسان أوربا في العصور الوسطى، حيث كانت لكل فارس سيدة يضع كل مفاخر حياته بين يديها. ومن هنا نستطيع أن نطلق على هذه المقدمات النسائية عند الشعراء الصعاليك "مقدمات الفروسية في شعر الصعاليك" في مقابل "المقدمات الطليلة في الشعر القبلي".

<<  <   >  >>