للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد رأينا الشنفرى في قصيدته البائية التي جعلنا عنوانها "غارة على العوص" يستهلها بحديث إلى صاحبته بأن تتركه وشأنه الذي هو ماض إليه، ولا تثبط عزيمته، ولتقل بعد مضية ما تشاء، فكل ما يعرفه هو أنه لن يموت إلا مرة واحدة.

ويستهل عمرو بن براقة قصيدته الميمية١ بحديث بينه وبين صاحبته، تنصحه فيه بألا يعرض نفسه للمخاطر، وأن يجعل ليله سباتا يستريح فيه، ولكنه يعجب من هذه النصيحة فكيف ينام الليل من وهب حياته للبطولة والمغامرة؟ ألم تعلم بأنه أحد أفراد طائفة الصعاليك الذين لا ينامون من الليل إلا قليلا؟ وهل تريد منه أن يكون كأولئك الخليين المسالمين الذين ينامون الليل كله؟

تقول سليمى لا تعرض لتلفة ... وليلك عن ليل الصعاليك نائم

وكيف ينام الليل من جل ماله ... حسام كلون الملح أبيض صارم

غموض إذا عض الكريهة لم يدع ... ألم تعلمي أن الصعاليك نومهم

له طمعا، وطوع اليمين ملازم ... قليل إذا نام الخلي والمسالم

ويستهل السليك مقطوعة له لم يصل إلينا منها -فيما بين أيدينا من مصادر- سوى بيتين يتحدث في أولهما عن تحذير صاحبته له، ويطمئنها على نفسه لأنه واثق في شجاعته وقوة نفسه:

تحذرني أن أحذر العام خثعما ... وقد علمت أني امرؤ غير مسلم٢

وأكثر ما نرى هذه الظاهرة عند عروة بن الورد، فكثير من قصائده ومقطوعاته تبدأ بحوار بينه وبين صاحبته، أو لعلها امرأته كما يقول رواة شعره، وهي تلومه على كرمه وإسرافه، وتعاتبة على مخاطرته بحياته، وتغريه على


١ القالي: الأمالي ٢/ ١٢٢، والأغاني ٢١/ ١٧٥، ١٧٦. والعيني: شرح الشواهد الكبرى "على هامش خزانة الأدب" ٣/ ٣٣٢، ٣٣٣.
٢ ابن حبيب: كتاب المغتالين "مصورة" لوحة رقم ٩٠، والتبريزي: شرح حماسة أبي تمام ٢/ ١٩٢. وفيه "القوم" مكان "العام".

<<  <   >  >>