ذلك الرجل الغني الذي تطمح امرأته إليه، أليس من اليسير أن نردها إلى أصل موضوعي واحد نجعله عنوانا لها وهو "مفاخر الصعلوك"؟
وهكذا نستطيع أن نمضي مع كل قصيدة من تلك القصائد التسع المطولات فترد أغراضها الفرعية إلى أصل موضوعي واحد يصلح أن يكون عنوانا لها.
ولكن يبدو أن في هذا الحكم بعض الإطلاق، وأنه يجدر بنا أن نخفف قليلا من إطلاقه، فبين أيدينا بعض القصائد، وإن تكن قليلة جدا، لا تخضع لهذا الحكم: تائية الشنفرى وقافية تأبط شرا المفضليتان، وفائية صخر الغي وداليته، فهذه القصائد الأربع لا تخضع للوحدة الموضوعية، وإنما تتعدد موضوعاتها، وهو، وإن يكن تعددا يسيرا لا يغير من الحقيقة التي نقررها كثيرا إذ إنه في كل منه لم يتجاوز الموضوعين، فإنه على كل حال يجب أن يدعونا إلى وقفة قصيرة نحاول فيها أن نتبين السر فيه.
الذي يبدو لي تفسيرا لهذا أنه تقليد للشعر القبلي الذي كان مسيطرا على الحياة الفنية في المجتمع الجاهلي، وهذا التقليد ليس من الصعب أن نتصوره فأظن أنه ليس من اليسير أن نتصور أن الشعراء الصعاليك -برغم ما كان بينهم وبين مجتمعهم من نفور- قد بعدوا كل البعد عن الحياة الفنية في مجتمعهم أو نفروا كل النفور منها، وإنما المعقول أن نتصور أنهم كانوا أحيانا يحاولون تقليد تلك النماذج الفنية التي كان مجتمعهم يقدرها كل التقدير، لعلهم يظفرون بنوع من تقدير المجتمع لهم، ولو تقديرا فنيا، بعد أن يئسوا من تقديره لهم تقديرا اجتماعيا. ولن يضيرهم أن يقلدوا أحيانا تلك النماذج الفنية من الشعر القبلي في صورتها الشكلية، فلن يغير هذا شيئا من طبيعة حياتهم الاجتماعية المتمردة على القبيلة، ولن يغير كثيرا من تقاليدهم الفنية الأساسية.
وعلى كل حال فهذه الظاهرة، ظاهرة تقليد الشعراء الصعاليك للشعر القبلي في صورته الشكلية، ظاهرة قليلة الذيوع في مطولات شعر الصعاليك، ومنعدمة تماما في مقطوعاته، فليست من الخطر في شيء على فكرتنا التي نقررها، فكرة "الوحدة الموضوعية في شعر الصعاليك".