للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرواة أن المقدمة الطبيعية في شعر الصعاليك هي ذلك الحوار بين الشاعر وصاحبته حول مغامراته، لا تلك المقدمة الغزلية التقليدية التي رأوا أنها غير مألوفة في شعرهم.

ولكن المشكلة تأخذ في الظهور إذ نعثر ببيتين مفردين أحدهما للسليك في لسان العرب١ والآخر لتأبط شرا في معجم البكري٢. والبيتان يظهر عليهما طابع المقدمات الطللية التي نعرفها في الشعر التقليدي القديم، فهما -أولا- مصرعان مما يشعر بأنهما مطلعا قصيدتين، ثم هما -ثانيا- صورة من أسلوب المطالع الجاهلية، ذلك الأسلوب الذي يحرص الشاعر فيه على ذكر أسماء المواضع، ثم هما -ثالثا- لون من ألوان المطالع الجاهلية في حديثها عن الخيال الذي يلم بالركب المسافر، وعن عفاء الديار بعد رحيل الأحباب. وهنا تظهر المشكلة فكيف يتفق هذا مع ما لاحظناه من تخلص الشعراء الصعاليك من المقدمات الطللية؟ لقد كانت المشكلة تكون أيسر حلا لو أن هذين المطلعين قد وصلت إلينا قصيدتاهما، إذن لاستطعنا أن نتبين أهما داخلتان في دائرة شعر الصعلكة أم خارجتان عنها. ونحن لم ننكر أن شعر الصعاليك الخارج عن دائرة الصعلكة قد قلد الشعر الجاهلي القبلي في كثير من خصائصه، ولكن المشكلة قد تعقدت بضياع هاتين القصيدتين من مجموعة شعر الصعاليك الذي بين أيدينا، ثم بإمعان هذين المطلعين في تقليد الشعر الجاهلي القبلي.

وعلى كل حال فإذا صحت نسبة هذين المطلعين إلى السليك وتأبط شرا، ولم يكونا من صنع اللغويين والجغرافيين العرب، فإننا نضيفهما إلى تلك المجموعة التقليدية من شعر الصعاليك التي قلنا إنها تعد شذوذا على خصائص شعر الصعلكة وهما على كل حال لن يغيرا شيئا من الحقيقة التي قررناها، والتي نراها في أكثر نماذج شعر الصعلكة، وهي تخلصه من المقدمات الطللية.


١ مادة "نيل":
ألم خيال من أميمة بالركب ... وهن عجال عن نيال وعن نقب
٢ معجم ما استعجم ١/ ٢٣١:
عفا من سليمى ذو عنان فمنشد ... فأجزاع مأثول خلاء فبدبد

<<  <   >  >>