للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ألا هل أتى ذات القلائد فرتى ... عشية بين الجرف والبحر من بعر١

وقد تنحرف هذه المقدمات انحرافا آخر، فلا تكون حديثا من الشاعر الصعلوك إلى صاحبته، وإنما تصبح حديثا من صاحبته عنه، حديثا ساخرا تتهكم فيه، فيرد عليها مفتخرا بنفسه:

تقول سليمي لجاراتها ... أرى ثابتا يفنا حوقلا

لها الويل ما وجدت ثابتا ... ألف اليدين ولا زملا٢

ألا عتبت عليَّ فصارمتني ... وأعجبها ذوو اللمم الطوال

فإني يابنة الأقوام أربى ... على فعل الوضيء من الرجال٣

ومن اليسير أن نفهم هذين الانحرافين: أما الأول فمن الطبيعي جدا أن يتحدث الشاعر الصعلوك إلى صاحبته بمفاخره لعله يثير في نفسها إعجابها به وتقديرها له، وأما الآخر فإن النساء مفتونات أبدا بالمال والجمال.

وهنا نقف أمام ملاحظتين متناقضتين كل التناقض: أما أولاهما فتؤيدنا فيما لاحظناه من تخلص الشعراء الصعاليك من المقدمات الطللية، وأما الأخرى فإنها تثير إشكالا على هذه الملاحظة.

ذلك أن السكري في شرحه لأشعار الهذليين يروي قصيدة لامية لعمرو ذي الكلب عن أبي عمرو وأبي عبد الله والأصمعي، تبدأ ببيتين من الغزل في رواية أبي عمرو وأبي عبد الله، أما الأصمعي فلم يرو هذين البيتين. وإنما تبدأ القصيدة عنده بحوار بين الشاعر الصعلوك وصاحبته أو امرأته بعد أن رجع سالما من بعض غزواته٤. والملاحظة التي نريد تسجيلها هنا هي عدم اتفاق رواة القصيدة على رواية هذه المقدمة الغزلية، كأنما كان يرى بعض


١ حاجز في الأغاني ١٢/ ٥٢ "بولاق"، وفي حماسة البحتري / ٦٥ "ذات الخواتم".
٢ تأبط شرا في الشعر والشعراء لابن قتيبة / ١٧٦، وحماسة ابن الشجري/ ٤٧ - اليفن: الشيخ الكبير. والحوقل: الضعيف. والأنف: الثقيل البطيء العيي بالأمور. والزمل: الجبان الضعيف.
٣ السليك في الكامل للمبرد / ٢٩٨.
٤ شرح أشعار الهذليين ١/ ٢٣٢، ٢٣٣.

<<  <   >  >>