لا تأثير له في "العامل المشترك" بينهما وهو كرم العنصر وطيب النجار، ثم أرأيت إليه كيف يتساءل منكرا: وهل تبيع العرب أولادها؟ وانظر كيف عبر بالعرب ولم يقل الناس، كأنما يرى أن العرب جنس متميز لا يجري عليهم ما يجري على سائر الأجناس، أولئك الذين يرى أولادهم رقيقا يشترى عند "أهله" من السادة الأغنياء؟ وليس ينقض هذا الإحساس بالجنس أنه باع ابنته بعد ذلك، فقد كان ذلك تحت ضغظ الفاقة وإلحاح الحاجة، ثم هو لم يفعل ذلك إلا بعد أن تعهد له هذا السيد بأنه لن يستعبدها، وهو عذر -مهما يكن واهيا- يصور ذلك الإحساس النفسي الذي كان يسيطر على نفوس هؤلاء البدو، فإن "الصفقة" لم تتم بين ذلك السيد وذلك الصعلوك إلا بعد هذه المحاولة من السيد لإرضاء نفس الصعلوك. ومهما يكن من أمر ذلك الأعرابي، فالشيء الذي لا ريب فيه هو أن هؤلاء البدو -بقدر ما كانوا في فقر مادي- كانوا على جانب كبير من الغنى النفسي. ومعنى هذا أن البدوي الفقير كان يرى نفسه مساويا للسيد الغني، ويرفض أن يكون فقره سببا في النزول بنفسه أو تطامن كبريائه، وأن الحياة إذا كانت قد ظلمته برغمه، فإن عليه أن يعمل على أن يزيل عنه ذلك الظلم، سالكا في ذلك أي سبيل، والغاية تبرر والوسيلة.
ولسنا في الحاجة إلى القول بأن مجال العمل أمام هؤلاء البدو الفقراء كان ضيقا جدا، فهذه قضية مفروغ منها؛ لأن أخلاف الحياة الاقتصادية الثلاثة: الزراعة والتجارة والصناعة لا تدر خيرا فوق رمال الصحراء القاحلة، وفي وسط تلك الظروف الحضارية المتأخرة. ومن هنا لم يكن أمامهم إلا أن يعملوا لهؤلاء الأغنياء، يقومون لهم بالرعي وخدمة الإبل، أو يعينون نساء الحي، كما يقول عروة بن الورد١، فإذا رفضت نفوسهم القيام بهذه الأعمال لم يكن هناك بد -إبقاء على حياتهم- من الغزو والإغارة للسلب والنهب محاولين -كما يقول بعض الباحثين- "أن يزيلوا هذا الحيف المقدر بأسنة رماحهم،