للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا ما قتل الشنفرى، ووقف تأبط شرا يرثيه، لم ينس تلك المراقب الشماء التي طالما ربض فوقها في انتظار فرائسه، فرائس الغزو وفرائس الثأر:

ومرقبة شماء أقعيت فوقها ... ليغم غاز أو ليدرك ثائر١

وأما عند تأبط شرا فالمرقبة ذات صورة طريفة، إنها مرقبة تعلو سائر المراقب، وهي -إلى جانب هذا- معقدة ذات تجاعيد كأنها عجوز شمطاء عليها ثياب بالية، ولكنه -مع ذلك- ما إن ينتصف الليل حتى ينهض إليها ليبدأ في تنفيذ خططه:

ومرقبة يا أم عمرو طمرة ... مذبذبة فوق المراقب عيطل

نهضت إليها من جثوم كأنها ... عجوز عليها هدمل ذات خيعل٢

وأما ذو الكلب فالمرقبة التي يتربص فوقها بعيدة واسعة عالية ملساء، وهو متربص فوق حرفها طول يومه يخفي شخصه، حتى إذا حانت الفرصة تحدر فوقها وهو ما يزال متخفيا كما يتحدر الماء الصافي:

ومرقبة يحار الطرف فيها ... تزل الطير مشرفة القذال

أقمت بريدها يوما طويلا ... ولم أشرف بها مثل الخيال

ولم يشخص بها شرفي ولكن ... دنوت تحدر الماء الزلال٣

وأما أبو خراش فالصورة التي يرسمها لمرقبته أشمل وأكثر تفصيلا، فهي مرقبة في نتوء مشرف من الجبل كأنه حد الفأس، يشرف على طريق ضيق كأنه النفق، يتسرب فيه الناس بعضهم في إثر بعض، وقد أقيم فوق هذا النتوء عرش يستظل المتربص تحته ويختفي فيه، ولكن هذا العرش قديم متهدم لم يبق منه إلا عودان أحدهما قائم والآخر ملقى على الأرض:


١ ديوان الشنفرى في الطرائف الأدبية/ ٢٨.
٢ لسان العرب، مادة "هدمل"، ومادة "جثم". ويروى البيت الثاني أيضا في أمالي القالي ١/ ٣٨ - الطمرة: المرتفعة. العيطل: الطويلة. الهدمل: الثوب الخلق. الخيعل: ثوب من ثياب النساء كالقميص، أو هو قميص لا كمين له.
٣ شرح أشعار الهذليين ١/ ٢٣٧ - القذال: الرأس، يريد به رأس المرقبة. الريد: الحرف يندر من الجبل، ومعنى البيت الثاني أنه أقام بها منكبا ولم يقم مشرفا.

<<  <   >  >>