للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يفسروه بذلك الربط بين الصعاليك والذؤبان.

ولكننا لا نريد أن ننتهي من هذا البحث اللغوي دون أن نشير إلى أن أبا زيد القرشي صاحب جمهرة أشعار العرب، قد تنبه إلى أن هناك جانبين لهذه المادة، واستطاع أن يميز بينهما تمييزا دقيقا واضحا حيث يقول١: "الصعلوك الفقير، وهو أيضا المتجرد للغارات"، وهذا التعبير عن مفهوم المادة الاجتماعي بالتجرد للغارات يجعلنا نسجل لهذا العالم المتقدم على أصحاب المعاجم التي بين أيدينا أنه كان أدق من عرف معنى الصعلوك.

وهنا نقف لنتساءل: ماذا فهمنا عن صعاليك العرب؟

أغلب الظن أننا لم نصل إلى أشياء كثيرة، وأننا ما زلنا في بداية الطريق الطويل نتحسس خطواتنا في الظلام تحت أضواء النجوم الخافتة، وأن شوطا بعيدا ما يزال ينتظرنا حتى مطلع الفجر. ويبدو أنه لا بد لنا من أن نمضي إلى مصادر الأدب العربي نسألها: ما أخبار هؤلاء الصعاليك؟ وأين شعر شعرائهم الذي صوروا فيه حياتهم؟ لعلنا نجد فيها وفيه ما نستطيع به أن نرسم صورة أشد وضوحا لهذه الطبقة من طبقات المجتمع الجاهلي.

٣- في المجتمع الجاهلي:

حين نرجع إلى أخبار هؤلاء الصعاليك نجدها حافلة بالحديث عن فقرهم، فكل الصعاليك فقراء، لا نستثني منهم أحدا، حتى عروة بن الورد سيد الصعاليك الذي كانوا يلجئون إليه كلما قست عليهم الحياة، ليجدوا عنده مأوى لهم حتى يستغنوا، فالرواة يذكرون أنه "كان صعلوكا فقيرا مثلهم"٢، وأخوه وابن عمه يقولان له -حين عرض عليه أهل امرأته التي أصابها في بعض


١ جمهرة أشعار العرب/ ١١٥.
٢ التبريزي: شرح حماسة أبي تمام ٢/ ٩.

<<  <   >  >>