للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاشتراكية في هذه المرحلة المبكرة من تاريخ الإنسانية. فقد ذهب بعض الباحثين إلى أنني تعسفت في تفسير الشعر الجاهلي هذا التفسير الاقتصادي، وأنني حملت النصوص والأخبار القديمة ما تنوء به من مصطلحات حديثة ترتبط في أذهان الناس بمفاهيم خاصة لم يعرفها العصر الجاهلي، ولم تدر في خلد هؤلاء الشعراء القدماء.

وأنا لم أزعم أن ثورة الصعاليك في العصر الجاهلي كانت ثورة اشتراكية قائمة على أساس المذهب الاشتراكي كما تعرفه مجتمعاتنا المعاصرة، فمثل هذا التفسير يعد -بدون شك- تعسفا لا يتفق مع المنهجية الجامعية فما من شك في أن هناك فروقا جوهرية بين الاتجاهين سواء في الفلسفة النظرية أو في التطبيق العملي. وإنما الذي ذهبت إليه هو أن في شعر الصعاليك وأخبارهم، وخاصة عروة بن الورد، أفكارا تتصل بمشكلة الفقر والغنى في المجتمع الجاهلي، وتنادي بثورة المستضعفين من فقراء هذا المجتمع والمضطهدين فيه على طبقة المَالَة من الأغنياء المتخمين وخاصة البخلاء منهم، وأن هذه الثورة كانت تستهدف تحقيق صورة من صور العدالة الاجتماعية والتوازن الاقتصادي في هذا المجتمع. وإذا كانت هذه الأفكار لم تأخذ شكل نظرية علمية دقيقة، أو شكل فلسفة اقتصادية متكاملة، وإذا كان التطبيق العملي لهذه الأفكار سلك أسلوبا فرديا أقرب إلى الفوضوية منه إلى أساليب التنفيد العلمي المنظم في الاشتراكية الحديثة، فإن هذا كله لا يمنع من القول بأن هذه الأفكار كانت تنطوي على إحساس عميق بمشكلات المجتمع الاقتصادية، ومحاولة جادة لحلها، وأن هذا -بدون شك- كان يمثل صراعا بين طبقة الفقراء ممثلة في هؤلاء الصعاليك العاملين، وطبقة المالة ممثلة في هؤلاء الأغنياء البخلاء، وهو صراع كان يضم في أعماقه براعم لم تتفتح تماما من النظرية الاشتراكية الحديثة.

وما من شك في أن الصعلكة عند عروة بالذات كانت -كما قلت في

<<  <   >  >>