للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المصرمين من التلا ... د اللامحين إلى الأقارب١

بل إن الجوع ليشتد بعروة فيهتف بأصحابه الصعاليك هتفه من لا يطيق عليه صبرا أن هلموا إلى الغزو، فللموت خير من حياة الجوع والهزال:

أقيموا بني لبني صدور ركابكم ... فإن منايا القوم خير من الهزل٢

وفي لامية العرب التي تعد صورة دقيقة كاملة لحياة الصعاليك في العصر الجاهلي حتى على فرض انتحالها وعدم صحة نسبتها إلى الشنفرى، يرسم الشاعر صورة رائعة لذلك الجوع النبيل الذي يشعر به الصعلوك، ولكن نفسه الأبية تأبى عليه أن يهينها من أجله، فلا يجد أمامه سوى الصبر والقناعة:

أديم مطال الجوع حتى أميته ... وأضرب عنه الذاكرة صفحا فأذهل

وأستف ترب الأرض كي لا يرى له ... عليَّ من الطول امرؤ متطول

ولولا اجتناب الذام لم يبق مشرب ... يعاش به إلا لديَّ ومأكل

ولكن نفسا حرة لا تقيم بي ... على الضيم به إلا ريثما أتحول

وأطوي على الخمص الحوايا كما انطوت ... خيوطه ماري تغار وتفتل

وأغدو على القوت الزهيد كما غدا ... أزل تهاداه التنائف أطحل٣

وإذا كان الجوع أقسى ما يصبه الفقر من سياط على جسد الفقير فإن هناك سياط أخرى لا تقل قسوة عن سياط الجوع، ولكنها سياط نفسية يصيبها الفقر على نفس الفقير.

والحديث عن هذه السياط النفسية يطول؛ لأنها تختلف باختلاف


١ شرح أشعار الهذليين ١/ ٥٨ - والتوالب: الجحاش، ويريد بهم أبناءه الصغار. والمصرم: الفقير.
٢ ديوانه/ ١٠٦.
٣ القالي: النوادر/ ٢٠٤ - والمطال: المماطلة. الطول: المن. الذام: العيب. الخمص: ضمور البطن أو الجوع. الحوايا: الأمعاء. ماري: اسم رجل أو اسم للفاتل. تغار: تحكم. الأزل: خفيف الوركين، صفة للذئب. التنائف: جمع تنوقة، وهي المفازة. الأطحل: الذي لونه بين الغبرة والبياض.

<<  <   >  >>