أما الأعلم فإنه يقصد أولئك السمان المترفين ضعاف القلوب، وهو يرسم في مقطوعة له صورة ساخرة طريفة نموذج من أولئك الذي يجعل منهم أهدافا لغزواته، فهو رجل غني سمين مترف، يعيش بين الستائر والحظائر، وجهت امرأته إليه برها وعنايتها حتى سمنته فأصبح من صنعها، ولكنه مع ذلك ضعيف القلب لو اخترق صحراء لفزعته شخوصها، ولحسب كل شخص فيها فارسا؛ لأنه خائف من أولئك الصعاليك المتربصين به وبأمثاله في أرجائها، الذين إذا رأوه انصبوا عليه كما تتفجر المياه من حوض متهدم يحاول صاحبه إصلاحه دون جدوى، وعندئذ تضطرب نفسه، وينهار كيانه، ويفر هاربا، ويذهب صنع امرأته فيه سدى:
أيسخط غزونا رجل سمين ... تكننه الستارة والكنيف
ولو رفعت ثوبك في خروق ... تروعك في مهالكها الشدوف
تخاف لزام عادية ثعول ... كما يتفجر الحوض اللقيف
إذن لذكرت حالك غير عصر ... وأفسد صنعها فيك الوجيف١
أما أولئك الصعاليك الذين خلعتهم قبائلهم، أو خلعوا هم أنفسهم منها، فكما يشاركون غيرهم من الصعاليك في غزوهم أولئك الأغنياء، يحرصون -إلى جانب ذلك- على الانتقام من أولئك الذين كانوا سببا في صعلكتهم. ومن هنا نجد أن لهم أهدافا أخرى غير هؤلاء الأغنياء. كما كان يفعل الشنفرى مع بني سلامان.
ويتحدث الشعراء الصعاليك أيضا عن الغاية التي يريدون أن يصلوا إليها من وراء هذه الخطة الدامية التي يسلكونها في حياتهم، وهي -بطبيعة الحال- الغنى. ويسجل الأعلم في أبيات له الأسباب التي يحرص على الغنى من أجلها
١ شرح أشعار الهذليين ١/ ٦٨، ٦٩ - الخروق: جمع خرق وهو القفر والأرض الواسعة تتخرق فيها الرياح. والشدوف: جمع شدف "بالتحريك" وهو الشخص. واللزام: العذاب. والثعول: التي لها زيادات بمنزلة الضرع. واللقيف: الذي أصلحه صاحبه فطينه وسواء من نواحيه. والوجيف: ضرب من السير، أو هو الاضطراب.