للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفيم الخشية من الموت؟ إن كل حي ملاقيه، سواء من خاطر بنفسه ومن أحجم، بل إن الموت قد يصيب المتخلف في أهله وينجو منه المغامر المخاطر:

أرى أم حسان الغداة تلومني ... تخوفني الأعداء والنفس أخوف

لعل الذي خوفتنا من أمامنا ... يصادفه في أهله المتخلف١

ومهما يمد الله في عمر الإنسان فالموت في انتظاره مشرعة أسنته:

وإني، وإن عمرت، أعلم أنني ... سألقى سنان الموت يبرق أصلعا٢

فالموت نهاية كل حي، لن ينجو منه أحد مهما يحط نفسه بأبواب قوية وحراس أشداء:

لو كنت في ريمان تحرس بابه ... أراجيل أحبوش وأغضف آلف

إذن لأتتني حيث كنت منيتي ... يخب بها هاد بأمري قائف٣

وهي ميتة واحدة يلقاها الإنسان ثم لا تتكرر:

دعيني وقولي بعد ما شئت، إنني ... سيُغْدَى بنعشي مرة فأغيب٤

ثم ما الذي يغري الصعلوك على التمسك بالحياة والحرص عليها؟ إن إحدا لا يرغب في حياته، وإن أحدا لن يبكي عليه بعد موته. إنه يعيش وحيدا، ويموت وحيدا:

إذا ما أتتني ميتتي لم أبالها ... ولم تذر خالاتي الدموع وعمتي٥

وصعاليك هذه الطائفة جميعا ذوو عزيمة قوية صادقة، لا يثنيهم شيء


١ عروة أيضا: ديوانه/ ٩١.
٢ تأبط شرا: الأغاني ١٨/ ٢١٧.
٣ أبو الطحان القيني: الأغاني ١١/ ١٣٢ "بولاق" - ريمان: حصن باليمن، وأراجيل: جمع راجل، وأحبوش: الجماعة من الناس ليسوا من قبيلة. والأغضف: الكلب المسترخي الأذن. والآلف: المستأنس بمن يحرسهم، من الإلف.
٤ الشنفرى: الأغاني ١٨/ ٢١٦، وديوانه/ ٣٢.
٥ الشنفرى أيضا: الأغاني ٢١/ ١٣٩، المفضليات/ ٢٠٦.

<<  <   >  >>